يعتقد أغلب الناس أنهم مخلوقات عقلانية قادرة على اتخاذ قرارات موضوعية، لكن ما يمنعهم من ذلك يتعلق بالتحيز أو العواطف التي تخصم من هذا الشيء، حيث تكون أقوى مما نتصور.
التحيز هو الذي يتحكم في خياراتنا، لكن ليس لأنه غير عقلاني، بل لأنه عقلاني جداً ومنطقي وفق قانون دماغك، وما ترسب فيه، ووفق منطقك الخاص، وهذا ما كشفته تجربة علمية حديثة.
وأثبت التجربة أن البشر لديهم قدرة ممتازة على تجاهل الحقائق التي لا تتناسب مع التحيزات الخاصة بهم. ولا يتعلق الأمر مثلاً بالـ"فيسبوك"، حيث تقل معدلات الرهانات أو تكون منخفضة، بل أيضاً في المسائل التي يمكن أن تكلفنا مالاً حيث يصبح اللجوء للتجربة والمسبق في التحيز، أقوى من المغامرة مع الجديد.
البشر متحيزون بطبعهم
وقاد الباحث ستيفانو بالمينتيري من المدرسة العليا بجامعة كوليج اللندنية ومعاهد أخرى، فريق عمل بهذا الخصوص، توصلوا إلى أن البشر متحيزون نحو مسار أقل مقاومة أي أنهم يميلون لطريق السلامة، على الرغم من أن هذا يمكن أن يصيبهم بالاكتئاب في وقت لاحق، أثناء الرحلة. وفي تلك الحالات، لا يبدو أن الناس قادرون على تصور أمر النتائج المستقبلية في الاعتبار، لأن التحيزات وعقلانيتها "المزعومة" هي التي تسيطر على الوعي.
وقد سعى فريق بالمينتيري، ومن خلال التجربة، إلى اكتشاف ما إذا كانت التحيزات البشرية قوية للدرجة التي تجعل الإنسان يتمسك بأمور معينة، حتى لو ظهرت على الطريق أشياء ملموسة تقول إنه يجب اختيار العكس في تلك اللحظة.
وفي هذا الإطار، قام الفريق باختبار 20 متطوعاً لتمثيل وأداء نوعين من المهام، تتعلق بالاختيار بين أزواج من الرموز، حيث تم تحديد قيمة معينة لكل رمز.
في المرة الأولى تم إخبار المشاركين فقط بقيمة الرموز التي اختاروها، ما جعلهم يطورون مهارة أن هناك رموزاً تملك قيمة أكبر من غيرها.
وفي المرة الثانية، تم إخبار المشاركين بقيمة الرموز جميعها التي اختاروها والتي لم يختاروها، وكانت المفاجأة أنهم حافظوا على الخيارات التي تدربوا عليها في التجربة الأولى، ولم يتأثروا بالمعلومات الجديدة، وحدث ذلك برغم معرفتهم أن بعض الرموز لها قيمة أكبر.
وهذا يكشف ببساطة لماذا بعض الناس لا يعملون على تغيير فكرهم أو مرتكزاتهم وقناعاتهم الأولية، حتى لو أن الحقائق الدامغة بدأت تلوح أمام أعينهم بوضوح.
يشار إلى أن التجربتين فيهما بعض النقاط غير الواضحة التي تتطلب مزيداً من الإضاءة حول سبب اللجوء للاختيار بناء على التجربة في مرة والتجاهل في مرة ثانية.
إذاً الموضوع معقد أكثر من تصورنا، فالصراع بين العقل والعاطفة لا يمكن حسمه، كما أن العاطفة نفسها تصبح في لحظة معينة هي العقل.
وقد أخبر بالمينتيري مجلة "نيو ساينتيست": "كما لو كنت لا تسمع الأصوات في رأسك وهي تخبرك بأنك مخطئ، حتى إذا كنت ستفقد المال".. ولكن كما يقال "لا حياة لمن تنادي".
هل من أمل للتغيير؟
رغم ذلك، وبحسب الباحثين، فلا يزال هناك أمل إذا ما عمل الشخص بشكل مكثف وإيجابي على هذا الجانب، حيث يمكنه أن يدرب نفسه على التخلي من الاستجابة للتحفيزات الأولية المباشرة.
وكانت دراسة في عام 2012 قد أثبتت أن وعي الشخص بالتحيزات الضمنية عنده والآثار المرتبة عليها، يمكنه من السيطرة الواعية وخلق أدوات المقاومة لهذه التحيزات ونتائجها التي قد تكون غير سارة، وبالتالي فإن ذلك يؤثر في الاختيارات الأكثر موضوعية.
ودائما فإن الباحثين يوصون بالعمل الجاد، أي عدم الاستجابة السريعة والتدرب اللازم. برغم أن باحثين في جامعة كارينغي مليون نشروا بحثاً في عام 2015 جاءت نتائجه بأن الجميع تقريباً أعمى فيما يتعلق بالتحيزات الخاصة بهم، وهذا ليس من السهل التغلب عليه.
وهنا يرى بالمينتيري أن "الموضوعية الكاملة هي على الأرجح شيئاً لن نحققه أبداً".