اللغة من منظور آخر :

اللغة من منظور آخر :

بلاغة التوكيد و مذاقاته العذبة

بقلم الدكتور: حمدي الشريف *

يرجع سبب ضعف النحو و جموده، بل و جفافه إلى انفصاله عن علم المعاني، فصار جسدا لا روح فيه، فهو كالسمك الذي أخرج من محيطه.
إنّ علمي النحو و المعاني لا يمكن الفصل بينهما، وأنّ ما تركه الإمام عبد القاهر الجرجاني من مباحث في دلائل الإعجاز و غيره يعتبر الطريق الأسلم الذي كان على النحاة أن يسلكوه بدراستهم للنّحو.و قد قال البلاغيون قديما : إن لكل مقام مقالا، و إنّ لكل كلمة مع صاحبتها مقاما، يفهم منه معنى : امتزاج النحو بعلم المعاني، كما أن فكرة "المقام" التي توصل إليها شيوخ البلاغة، كانوا متقدمين بها قرونا على زمانهم، ذلك لأن فكرتي المقام و المقال باعتبارهما أساسين متميزين من أسس تحليل المعنى يعتبر الآن في الغرب من الكشوف التي جاءت نتيجة لمغامرات العقل المعاصر في دراسة اللغة.(1)

لقد تم الانفصال بين النحوي و البلاغي، و حدث الشقاق بينهما بعد عبد القاهر الجرجاني، مع أن الصلة بينهما لا تنفصم عراها، فكلاهما يتعاملان مع الأداء اللغوي.

إن هذا الانفصال بين العلمين "النحو و البلاغة" يتحمل تبعته النحويون المتأخرون حينما أهملوا دراسة الظواهر النحوية ضمن تراكيبهما اللغوية، وقصروا جهدهم على البحث في ضبط أواخر الكلمات، ولم ينتبهواإلى البناء وقيمته النحوية الفنية (2)

بل إن بداية ظهور الجمود في الدرس البلاغي يتحمل مسؤوليتها السكاكي، كما يرى بعض الباحثين : " لقد خيل إليه أنه بمنهاجه المنظم المقنّن يُصلح من شأن البلاغة فإذا به، من حيث لا يدري، يفسدها و يسيء إليها.(3)...
ذلكم هو السبب الرئيس في ضعف النحو و عزوف طلبتنا عن دراسته، لأنه صار عبارة عن قوالب تملأ مرة و تفرغ أخرى دون أي اهتمام بالمقامات التي يرد فيها.

و السبب نفسه هو الذي دفعني إلى الإسهام بهذا البحث المتواضع و الذي ساهم في إخراجه مناقشة الطلبة في شواهد من القرآن الكريم على توكيد الخبر.

و الآيات هي :

• قوله عزّ و جل : " و ما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلاّ تكذبون " (يس 15).
• وقوله " و ما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه و هو خير الرازقين "سبأ39
• وقوله " و ما ربك بظلاّم للعبيد " (فصلت 46).
• وقوله " أليس الله بكافٍ عبده " (الزمر 36).
• وقوله " و إن من شيءٍ إلاّ يسبح بحمده ... " (الإسراء 44).

فبعد المناقشة تبيّن لي أنهم لا يعرفون من وظائف هذه الحروف إلا أنها حروف جرّ زائدة فحسب.

التوكيد في لغتنا العربية أنواع، و له مذاقات عذبة، ودلالات تختلف باختلاف المقامات الوارد فيها، و أحاول في هذا البحث تقديم بعض صوره و أسراره من خلال آي الذكر الحكيم. كالتوكيد بالحروف، و التوكيد بضمير الفصل، و التوكيد بالجمل، و التوكيد بالتكرار، و التوكيد بنقل الجمل من مستوى إلى آخر، إلى غير ذلك مما نعرضه في هذا البحث و ما سنعرضه مستقبلا بحول الله.

* أولاً : التوكيد بالحروف :

نأخذ من الحروف على سبيل الذكر حرف (من) :

من : هي حرف من حروف الجر الذي له مذاقاته أيضا و من معانيها : أنها

تكون لابتداء الغاية، و تكون التبعيض، و تكون للتوكيد. (4)

و ذهب الزمخشري إلى أن كل معاني (من) تعود إلى الابتداء. (5)

و هناك آراء أخرى مبثوثة في كتب النحو تصل بها إلى أكثر من معنى…

ومن أمثلة مجيئها للتوكيد قوله عز و جل في سورة يس " وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون " الآية 15.

فسياق الآية إنكار وجحود من القوم الذين أرسل إليهم الرسل و كان ردهم : " ما أنزل الرحمن من شيء ".

إذا تأملنا لفظ "شيء" وجدناه نكرة تدل على القليل، فإذا جاءت منفية و أكد نفيها بالحرف " من " كان المعنى أقوى و أبلغ ، إذ يوحي بعدم نزول أي شيء مهما تناهي في الصغر و الضآلة، حتى و لو كان جزء يسيرا من هباءة لم ينزله الله.

و القول نفسه في قوله عز و جل " وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا " تدل الآية على أنه مهما كان في هذا الكون من أكبر مخلوق إلى أصغر مخلوق، و لو تناهى في الصغر إلى أبعد الحدود يسبح الله عز و جل.

و تقول مثلا : ما قرأت شيئا، نفيك للقراءة غير مؤكد و غير مضبوط، إذ يمكن أنك قد قرأت سطرا من صحيفة، أو كلمة أو كلمتين من سطر, أو جزء من كلمة. لكن عندما تريد نفي القراءة مطلقا و لو بعض كلمة تقول : ما قرأت من شيء، فيكون نفيك للقراءة مؤكدا تأكيدا ثابتا، وأنك لم تقرأ شيئا مهما صغر وضؤل.

و اقرأ معي قوله عز و جل في سورة المائدة، الآية 19 " ما جاءنا من بشير و لا نذير "، فحرف" من " جاء توكيدا لعموم ما بعدها، أي : ما جاءنا أي بشير و لا نذير.

ثانيا: التوكيد بضمير الفصل هو:

ضمير الفصل هي تسمية بصرية ،أما الكوفيون فيسمونه:

ضميرالعماد ، وهو ضميرمنفصل يؤتى به ليتعين أن ما بعده خبر وليس صفة.

قال الزمخشرى : "فائدة ضمير الفصل الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة، و التوكيد، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره "(6)

فضمير الفصل يزيل الاحتمال و الإبهام من الجملة التي يدخل عليها و يفيد التوكيد وخير ما يمثله قوله عزوجل في سورة النجم الآيات :(43-50):

"وأنه هو أضحك وأبكى . وأنه هو أمات وأحيا .وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى. من نطفة إذا تمنى.وأن عليه النشأة الأخرى . وأنه هو أغنى و أ قنى . وأنه هو رب الشعرى. وأنه أهلك عادا الأولى."

تلاحظ أن ضمير الفصل قد ذكر في بعض الآيات و غاب عن آيات أخرى ...فما السر في ذلك ؟..

الأفعال "أضحك ،و أبكى، وأمات ،و أحيا، وأغنى، وأقنى"مقيدة بضمير الفصل ليبين الله عز و جل للمشركين أن تلك الأفعال ينفرد بها هو وحده ولا يشاركه فيها أحد كما يزعمون.

أما فعل "الخلق" فا لمشركون يعترفون بفعله لله عز وجل قال تعالى "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله"، أما فعل"النشأة الأخرى" والبعث غدا يوم القيامة فهم ينكرونه و يجحدونه . وجاء الحديث عنه غير مؤكد بضميره الفصل فما السر في ذلك؟

و الجواب : تصور معي أن مخترعا توصل بعد جهد جهيد و عناء طويل إلى اختراع آلة من الآلات ، ثم تقدم باختراعه إلى أحدى الشركات لتنتجه ، وبعد أيام اتصلت به الشركة و طلبت منه نموذجا آخر لاختراعه ،لأن الذي قدمه إليها قد ضاع منها.أيجد المخترع صعوبة و يعجز عن إنجاز نموذج آخر لاختراعه، أم أنه ينجزه بيسر و سهولة؟ . ولله المثل الأعلى، أإعادتهم غدا يوم القيامة وإحياؤهم من جديد أهون على الله و أسهل أم أن خلقهم هو الأصعب؟ فمن الغباء أن يعترفوا بأن الله هو الذي خلقهم ثم ينكرون عليه النشأة الأخرى ،فهي أهون من النشأة الأولى، ولا يصعب عليه عز وجل شئ في البداية ولا في الإعادة مصداقا لقوله: "إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون".

ثالثا: التوكيد بالتكرار:

اقرأ قوله عز وجل في سورة النبأ الآيات:(9-11):

"و جعلنا نومكم سباتا(.)وجعلنا الليل لباسا(.) و جعلنا النهار معاشا (.) فالفعل"جعل"هو المسند و"نا" العظمة هي المسند إليه ،و قد تكرر الإسناد ، ولذلك يعتبر هذا نوع من أنواع التوكيد ، ليكون نوع هذا الخبر طلبيا إذ يحسن بالمتكلم أن يؤكد للمخاطب الخبر بمؤكد واحد.

رابعا: التوكيد بالجملة الأسمية:

التعبير با لجملة الأسمية أوكد وأقوى من التعبير بأختها الفعلية، فهي تقيد بأصل وضعها ثبوت الحكم فحسب بلا نظر إلى تجدد، و قد تفيد الدوام و الاستمرار بقرينة السياق كما في قوله عز و جل في مدح الرسول صلى الله عليه و سلم "

و إنك لعلى خلق عظيم " القلم الآية .4

أما التعبير بالفعلية فهي تدل بأصل وضعها على التجدد في زمن معين مع الاختصار ،لأن فعلها يدل بذاته على أحد الأزمنة الثلاثة لا بقرينة خارجية عنه ،بخلاف الاسم الذي يدل على الزمن المعين بقرينة أخرى كأن تقول :أمس، أو الآن، أو غدا.

وقد تفيد أيضا الاستمرار ا لتجددي شيئا فشيئا بمعونة القرائن ،و خير مثال على ذلك قوله عزوجل:" قد أفلح المؤمنون (.)الذين هم في صلاتهم خاشعون (.)و الذين هم عن اللغو معرضون (.) والذين هم للزكاة فاعلون(.) والذين هم لفروجهم حافظون(.) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غيرملومين (.) فمن ابتغى وراء ذالك فأولئك هم العادون(.) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون(.) والذين هم على صلواتهم يحافظون (.) أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون (.)" ا لمؤمنون:(1-11)

تدبر معي الآيات السابقة و تأمل الأخبار التي تحتها سطر تجدها أسماء و ليست أفعالا ما عدا الخبر"يحافظون" في نهاية الآيات.

و السر في ذلك أنها أخبار ثابتة ملازمة لأصحابها لا تفارقهم ولاتتغير ولا تتبدل ،فالصلاة لاتكون صلاة إذا فقدت صفة الخشوع، فروحها الخشوع ،وهي بدونه ، مجرد حركات و سكنات لاغير ولذلك أخبر عنها بالخبر الاسمي "خاشعون " و كذلك بالنسبة للغو ،فهو الصفة الثانية للمؤمنين بعد الخشوع في الصلاة ، فا لإعراض عنه صفة ثابتة لصيقة بهم لا تفارقهم و لا تتغير.

أما الزكاة فهم لها فاعلون، أي أنهم يخرجونها طواعية عن طيب خاطر .وهم في إخراجها يجدون لذة و حلاوة ،و كأنها صارت عندهم غزيرة فطرية موكوزة في نفوسهم،كغزيرة الجوع و العطش، فهم يتلذذون بها طاعة لله عز وجل و لرسوله عليه الصلاة والسلام, وكذلك حفظ الفروج وحفظ الأمانات و الوفاء بالعهد.....

أما المحافظة على الصلوات فجاء الخبر عنها فعلا مضارعا "يحافظون " و السر في ذلك أن التعبير بالفعل يفيد التجدد و التغيير و الاستمرار التجددي مع الزمن ومع كل يوم.

فعلى المؤمن أن لايترك الصلاة وأن يحافظ عليها مدة وجوده في الحياة إلى أن يتوفاه الله....

و هذا هو السر في الاختلاف بين التعبيرين بالاسمية و الفعلية ، وبين الانتقال من مستوى الاسمية إلى مستوى الفعلية،و العكس.
خامسا: التوكيد بالمصدر و إنابته عن الفعل :

الانتقال من مستوى التعبير بالفعل إلى الانتقال للتعبير بالمصدر..... له أيضا أسراره ومذاقا ته و مقاماته.

اقرأ معي قول الله عز وجل:"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ......" سورة محمد: الآية (4)

الله عز وجل أمر المؤمنين بضرب رقاب الكفرة بمجرد لقائهم، فجاء الأمر بالضرب بواسطة المصدر "ضرب" وأنزل منزلة فعل الأمر"اضرب " فقد انتقلت الجملة من مستوى إلى مستوى أخر ،والسر في ذلك يعود إلى أن المقام مقام عزم وجد يتطلب الحزم و العزم في التنفيذ،وعدم التهاون أو التباطؤ " ويتطلب أيضا السرعة في الانقضاض على أعداء الله دون تريث ...وهذا لا يتم ولا يتأتى إلا بالتعبير عن هذه السرعة والمضاء بالمصدر "ضرب " وليس بالفعل "اضرب". ثم تذوق معي طعم الفاء الجميلة المتصلة بالفعل "اضرب" والتي اختصرت الزمن و أكلته بحيث أنه بمجرد اللقاء بين المسلمين وأعداء الله يكون ضرب الرقاب دون فا صل زمني بينهما ، أي أن الزمن ينعدم بين اللقاء و فعل الضرب.

ومما تجدر الإشارة إليه أن التوكيد أو عدمه يكونان تبعا لحال المخاطب ودرجة إنكاره قوة أو ضعفا، أو عدم إنكاره ،أي أن المتكلم ينظر إلى حال من يخاطب فيصوغ عباراته على ما يقتضيه حاله الحقيقي أو الاعتباري.

و هناك ضروب أخرى من التوكيد ذكرها الدكتور محمد أبوموسى لا ينظر فيها إلى حال المخاطب ، وإنما ينظر فيها المتكلم إلى حال نفسه و مدى انفعاله لهذه الحقائق ، و حرصه على إذاعتها ، و تقريرها في النفوس كما أحسها مقررة أكيدة في نفسه .(7).

و منه قوله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام في ضراعته:" ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم "إبراهيم 37/ وقوله :" ربنا إنك تعلم ما نخفي وما تعلن وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء " إبراهيم:38/

فالتأكيد هنا لم ينظر فيه إلى حال المخاطب وإنما نظر فيه إلى حال النفس الراجية و بيان مدى انفعالها بهذا الرجاء .

* وقد يكون التوكيد لرغبة المتكلم في تقوية الكلام عند المخاطب

و تقريره في نفسه وإن كان غير منكر له كقوله تعالى في مخاطبة النبي عليه السلام" إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا " الإنسان 23/ و قوله :" إنني أنا الله لاإله إلا أنا فا عبدني و أقم الصلاة لذكري" سورة طه: 14/

وقوله : " وإن ربك لهو العزيز الرحيم و إنه لتنزيل رب العالمين " الشعراء:

( 191/192)

فالمخاطب عليه السلام ليس في نفسه إثارة شك في هذه القضايا ،ولكن التوكيد يهدف إلى زيادة تقرير المعني في نفسه عليه السلام حتى يبلغ به عين اليقين.

وقد يكون التوكيد لتحقيق الوعد كما في قوله عز وجل:"إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون"الأنبياء101/وقوله:"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الحج /:39/

* وقد يكون التوكيد لتحقيق الوعد كما في قوله تعالى :"إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون "الأنبياء:98/

وقد يكون التوكيد للإشارة إلى أن الذي كان لم يكن على وفق ظن المتكلم ،فكأن نفس المتكلم تنكره فيؤكده لها, و مثاله قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام : " قال رب إن قومي كذبون " الشعراء 117

• و قد يكون التوكيد لغرابة الخبر و حرص المتكلم على أن يؤنس به نفس المخاطب , و إن كان المخاطب لا ينكره , و مثله قوله تعالى : " فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين " القصص /30/ .

ففي التأكيد " إني أنا الله رب العالمين" إيناس لنفس سيدنا موسى عليه السلام بالخبر , لان الموقف غريب وقد يعلق بنفسه شيء ما بعد ذهابه إلى المكان الذي رأى فيه النار ليأتي بجذوة منها لأهله لعلهم يصطلون ,

و كان ذلك في ليلة مظلمة شديدة البرودة , فإذا به بنداء الحق يناديه من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة . وهدا موقف يحتاج إلى مؤانسة نفس موسى عليه السلام و طمأنتها حتى تثبت ولا تفزع، و مثله قوله عزوجل يخاطب موسى عليه السلام لما رأى أفاعيل السحرة و أوجس في نفسه خيفة قال له سبحانه : " لا تخف انك أنت الأعلى "طه/68

• و قد يكون التوكيد إظهارا لمعتقد النفس و إبرازا له لتزداد النفس يقينا به , لأن مقامها يقتضي ذلك , و مثله قوله تعالى : " الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون " البقرة 156 , فالموت بالنسبة للمؤمن قضاء و قدر لا يقول فيها عند المصيبة الا ما يرضي الله ....

وهذه الآية هي العلاج بل هي البلسم الشافي له , خلافا لغير المؤمن الذي لا تربطه بالله عز و جل أي رابط فأخوف ما يخافه و ترتعد له فريصته هو الموت، بل بمجرد سماعه لها ينهار وينهزم ،لأنه لا إيمان له.

ومن التوكيد الذي يذكره الدكتور أبو موسى: التوكيد الذي يأتي في الجمل التي كأنا نتائج لمقدمات فيلفت إليه وكأنها هي المقصورة والأهم وموضع العناية في السياق ،وخير مثال لهذا اللون من التوكيد قوله عز وجل في سورة الحج:

"يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ،ثم من نطفة ،ثم من علقة ، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ،ثم نخرجكم طفلا،ثم لتبلغوا أشدكم ،ومنكم من يتوفى ،ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ،وترى الأرض ها مدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ،ذلك بأن الله هو الحق ،وأنه يحي الموتى ،وأنه على كل شيء قدير،وأن الساعة آتية لا ريب فيها ،وأن الله يبعث من القبور ." سورة الحج(5 - 6)

نلاحظ أن المقام الوارد فيه التوكيد مقام جحود وإنكار ليوم البعث ،فجاءت الآيات ترد على المكذبين به ، وتقدم لهم دليلين واضحين لكل ذي عقل واع متدبر ..

الدليل الأول يتمثل في خلق الانسان ومراحل تكوينه إلى أن يصل إلى أرذل العمر قال تعالى : "وفي أنفسكم أفلا تبصرون " و قال "وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ،قل يحييها الذي أنشأها

أول مرة وهو بكل خلق عليم "..

والدليل الثاني في الأرض ،وكيف تهتز وتربو حينما ينزل عليها الماء من السماء فتنبت بإذن ربها من كل زوج بهيج ،فالذي خلق الإنسان من ماء مهين ،وأخرجه من رحم أمه ،وتدرج به في الحياة إلى أن يصل به إلى أرذل العمر ، وأحيا الأرض بعد موات و أنبت فيها من كل زوج بهيج،قادر على أن يبعث الإنسان ويحييه بعد موته من جديد .

تلك مقدمتان :الأولى في الانسان ، والثانية في الأرض ،ثم ختمتا بخمس جمل مؤكدة كانت نتائج لهما.

تلكم هي بعض ضروب التوكيد وبعض مذاقاته ليتبين لنا بأن التوكيد ليس مقصورا على علم النحو فقط بل يتعدى إلى علم المعاني ،وحبذا لو يدرس لطلابنا ممزوجا بعلم المعاني لتكون الفائدة أعم وأشمل ،وليزداد إهتمام الدارسين به وببقية الأبواب النحوية الأخرى.

والله المستعان.

شكراا أختي نووور لمرورك الكريم..

شكراا أختي غروووب لمرورك الكريم..

شكرا حيااتي لمرورك الكريم

» إعادة كتابة الحكايات الخرافية من منظور معاصر
» :::: اللغة الكورية ::::
» اللغة العربية
» تاريخ اللغة العربية
» من غرائب اللغة العربية