مواجهة التعب النفسي ومواسمه المتباينة

مواجهة التعب النفسي ومواسمه المتباينة

يعاني كثيرون نحو أواخر فصل الخريف وبداية الشتاء التعب، فمع تبدل الأوقات والمواسم، يأتي البرد والفيروسات، فضلاً عن التوتر والكآبة. من الممكن أن يؤدي هذا التعب بمختلف أوجهه، الجسدي منها والنفسي، إلى انهيار عصبي. لذلك، من الضروري التحرر منه بسرعة. لتحقيق هذا الهدف، يلزم أن ندرك أولاً طريقة عمل جسمنا وتفاعله مع التغييرات التي تطرأ من حوله.
أظهرت الدراسات أن هذا النوع من التعب لا يقتصر على شريحة محددة من السكان، بل يطاول فئات العمر كافة.
الدراسات تشير الى أن 47% من الناس يعانون هذا النوع من التعب والإرهاق خلال أسبوع إلى اثنين في السنة، وأن نصف النساء يواجهنه أكثر من مرة في السنة، ويمكن لهذا التعب أن يطاول الشيوخ كما الشبان الأكثر نشاطاً. أما أسبابه فكثيرة، من بينها:
- التعب الناجم عن مشاكل شخصية أو مهنية (28% من الحالات).
- الأمراض النفسية (23% من الحالات).
- الأمراض المعدية (16% من الحالات).
تختلف هذه الأسباب باختلاف العمر، فيُصاب المراهقون بهذا النوع من التعب غالباً عقب حدث رياضي أو مدرسي مهم. أما أسبابه بين المسنين فتكون في معظم الأحيان مرضاً أو حادثاً مؤلماً.
يؤدي التعب والإرهاق إلى عواقب كثيرة، فيصبح الإنسان سريع الغضب، يشعر بتوتر دائم ويفارق النوم عينيه. فضلاً عن ذلك، ينتابه شعور بالضعف والوهن، ويُصاب بالصداع. قد تكون أحياناً هذه العواقب أكثر حدة وخطورة، مثل قرحة المعدة، ارتفاع ضغط الدم، جلطة قلبية…
يؤدي جهازان أساسيان في الجسم الدور الأهم في ردود الفعل هذه، هما:
- الجهاز العصبي: يؤدي تحفيزه إلى إفراز الهرمونات والكاتيكولامينات، خصوصاً الأدرينالين. يكون رد الفعل هذا غالباً سريعاً ومفاجئاً.
- جهاز الغدد الصم: في حالة هذا الجهاز يكون رد الفعل أبطأ ويفرز الكورتيزون. يؤدي تحفيز هذين الجهازين إلى ردود فعل قلبية- وعائية، هضمية، وأيضية. ومع ردود الفعل القلبية- الوعائية، يتسارع نبض القلب ويزداد تدفق الدم.
يؤثر الإجهاد في آليات الدفاع التي يعتمدها الجسم، وخصوصاً جهازنا المناعي. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن مَن يعانون من إجهاد وتوتر كبيرين (بسبب فقدان شخص عزيز، خسارة العمل…) يعانون من تراجع حاد في عدد الخلايا اللمفاوية في الدم، هذه الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأجسام المضادة. نتيجة لذلك، يجعل الإجهاد الجسم أكثر عرضة للأمراض والأخماج. ولا شك في أنكم لاحظتم ذلك أكثر من مرة. فحين تكونون حزينين ومتوترين، تلتقطون الزكام بسرعة. ولكن عندما تكونون سعداء ومفعمين بالنشاط والحيوية، تتحدون المرض، حتى لو كان كل المحيطين بكم مرضى.
يتجلى التعب من خلال عوارض مختلفة، إذ نشعر عادة بحزن واستياء لا نعرف لهما مبرراً. لكننا نعاني أحياناً عوارض مختلفة قد لا ندرك أن التعب سببها. إليكم بعض العوارض الأكثر شيوعاً في هذه الحالة:
- مشاكل عضلية: آلام في العضلات، تشنج، رجفة، تراجع القدرة على مقاومة الجهد.
- مشاكل في النوم: صعوبة في النوم، أرق، نوم خفيف، أو حتى إفراط في النوم.
- مشاكل فكرية: تراجع الإنتاج الفكري، صعوبة في التركيز، مشاكل في الذاكرة والانتباه.
- مشاكل جنسية: تراجع الرغبة الجنسية أو فقدانها، انخفاض النشاط الجنسي، عجز، برودة.
- مشاكل هضمية: إسهال، إمساك، تبدّل السلوك الغذائي، تشنجات في الأمعاء.
- مشاكل سلوكية: توتر، طبع حاد، سرعة التأثر، غياب المبادرة، مشاكل في العلاقات، عدم القدرة على تحمل الضجيج، قلق، حزن، تشاؤم.
- مشاكل في الجسم: تضيّق الحلق، اختلاجات، اضطرابات في البصر…
يؤدي التعب أحياناً إلى الكآبة، ويمكن وصف هذه الأخيرة بانهيار المعنويات واضطراب الحالة النفسية. لا شك في أن ذلك ليس بالأمر البسيط، إذ يمكن أن يؤدي أحياناً إلى الانتحار. علاوة على ذلك، قد يصيب هذا الاضطراب الأقوى بيننا، فضلاً عن أنه يطاول جميع فئات العمر من المراهقة حتى الشيخوخة. حتى إن الكآبة تظهر في بعض الحالات لدى الأولاد، وهي لا تميّز بين الجنسين، مع أنها أكثر شيوعاً بين النساء.
تقلل العائلة غالباً من أهمية إصابة أحد أفرادها بالكآبة. لكن الوسط الطبي يتبنى نظرة مختلفة إلى هذا الاضطراب. يصعب علينا أحياناً فهم ما يمر به مَن يعانيها، خصوصاً إن كان مفعماً بالنشاط ويتمتع بصحة جيدة. بالإضافة إلى ذلك، يرغب المريض أحياناً في التخلص من هذه الحالة، لا سيما إن أدرك أن أسبابها واهية.
تُعتبر اضطرابات النوم أولى الدلالات على الإصابة بالكآبة. لكن لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه الاضطرابات لا تكون دوماً دليل كآبة. فيعاني كثيرون الأرق واضطرابات النوم بسبب التعب أو مشاكل عابرة لا تضاهي بحدتها وخطورتها الكآبة. إذاً، اضطرابات النوم هي الإشارات الأولى، إلا أنها ليست كافية وحدها.
إحدى الإشارات الأخرى تراجع النشاط والحوافز على العمل. تتبدل شخصية المريض، فيرى في أبسط المشاكل معضلة. يتحوّل أقل تغيير إلى جبل يرزح على صدره، ولا شك في أن هذا الوضع لا يُحتمل بالنسبة إلى المريض ومحيطه. يحاول الجميع عادة، بمن فيهم المريض، إلقاء اللوم على قلة النوم أو التعب في العمل. إلا أن الوضع قد لا يكون بهذه البساطة.
صحيح أن تراجع المعنويات قد يكون مجرد حالة موقتة ترتبط بمبرر واضح. لكن في حالة الكآبة، يتراجع نشاط المريض فجأة، ويبدي استياءه من كل ما يحيط به. يأبى الخروج من الفراش حتى خلال النهار، ولا يعود يبالي بأحوال العمل أو حتى بشؤونه اليومية.
يظهر هذا النوع من الكآبة في فصل الشتاء تحديداً، وتكون عوارضه مشابهة لعوارض الكآبة عموماً. قد يعجز مَن يعاني الكآبة الموسمية عن الاضطلاع بمهامه اليومية. لا شك في أن هذا الاضطراب مختلف تماماً عن الانزعاج البسيط الذي نشعر به مع حلول فصل الأمطار، والذي لا يمنعنا من مواصلة حياتنا بشكل طبيعي.
الكآبة الموسمية مرض قائم بحد ذاته تماماً مثل الكآبة العادية، ويرتبط بتراجع الضوء وقصر النهار. تُعتمد في حالة الكآبة الموسمية العلاجات ذاتها كما في حالة الكآبة العادية، وقد تشمل هذه العلاجات أحياناً المعالجة بالضوء، فالجلسات التي يتعرض خلالها المريض للضوء، لا الأشعة ما فوق البنفسجية، تعزز معنوياته. لكنها لا تشكّل بمفردها علاجاً شافياً.
إن كنت تشعر أن هذه الجلسات تكفيك للتخلص من الكآبة الموسمية، فأنت في هذه الحالة لا تعاني الكآبة، بل مجرد انزعاج بسيط بسبب حلول الشتاء.

شكراً أختي نووور لمرورك الكريم..

شكراً أختي غروووب لمرورك الكريم..

شكرا حيااتي لمرورك الكريم