الكتابُ هو الجليسُ الذي لا يُطريك، والصديقُ الذي لا يُغْرِيك، والرفيقُ الذي لا يَمَلُّكَ، والجارُ الذي لا يَسْتَبْطِئُكَ، والصاحبُ الذِي لا يُرِيدُ استخرَاجَ ما عندَك بالمَلَقِ، ولا يُعَامِلُك بالْمَكْرِ، ولا يَخْدَعُكَ بالنِّفَاقِ، ولا يَحتَالُ لكَ بالكَذِب.
الكتابُ نِعْمَ الأنيس ساعةَ الوحدةِ، وَنِعْمَ المعرِفةُ بِبلادِ الغُرْبَةِ، وَنِعْمَ القرِينُ والدَّخِيلُ، وَنِعْم الوزيرُ والنَّزِيلُ.
الكتابُ وعَاء مُلِئَ عِلْماً، وظَرْف حُشِيَ ظَرْفاً، وإنَاء شُحِنَ مِزَاحاً وَجِدًّا، إنْ شِئْتَ ضَحِكْتَ مِنْ نَوَادِرِهِ، وَإن شئت عَجِبْتَ من غَرائِبِ فرائِدِه، وإن شِئْتَ ألْهَتْكَ طَرَائِفُهُ، وإنْشئت أشْجَتْك مَوَاعِظُه وبعد: فمتَى رأيت بُسْتَاناً يُحْمَلُ في رُدْن، وروضةً تُقَلُّ في حِجْرٍ ، ونَاطِقاً يَنْطِقُ عن الْمَوْتَى وَيُتَرْجِمُ عن الأحْيَاء ؟ ومن لك بمؤنِس لا ينامُ إلا بِنَوْمِكَ، ولا يَنْطِقُ إلا بما تَهْوَى، آمَنُ مَنْفي الأرضِ وأكتم للسر مِنْ صَاحِبِ السر.
الجاحظ