يوم السادس عشر من شهر آب/أغسطس سنة 1868 عاشت مناطق عديدة من العالم على وقع كسوف كلي للشمس. واصطف العديد من الفلكيين لمتابعة هذه الظاهرة، وقد كان من ضمنهم ملك مملكة سيام منغوكوت (Mongkut) والمعروف بـ"راما الرابع"، الذي كسب شهرة عالمية عقب نجاحه في حساب توقيت هذا الكسوف الكلي للشمس بشكل دقيق قبل سنتين من وقوعه متفوقاً بذلك على العديد من الفلكيين البارزين، ليعرف هذا الكسوف، الذي جرى يوم 16 شهر آب/أغسطس 1868، لدى وكالة "ناسا" لاحقا بـ"كسوف ملك سيام".
صورة لملك مملكة سيام منغوكوت
يُصنف كسوف الشمس الكلي لسنة 1868 كواحد من أكثر الظواهر الفلكية تأثيرا في تاريخ البشرية. فبفضله، تمكّن البشر أخيرا من اكتشاف عنصر الهيليوم الكيميائي (Helium) والذي يعتبر ثاني أخف العناصر في الكون، كما يصنف أيضا كثاني أكثر العناصر انتشارا في الكون.
صورة للفلكي الفرنسي بيير جانسين وهو أول من لاحظ الهيليوم
أثناء تواجده بمدينة جونتور (Guntur) بالمستعمرة البريطانية بالهند، تابع الفلكي الفرنسي بيير جانسين (Pierre Janssen) الكسوف الكلي للشمس يوم 16 آب/أغسطس 1868، ولاحظ العالم الفرنسي بمحض الصدفة وجود خط أصفر بطيف الانبعاث للغلاف الكوني للشمس. خلال نفس السنة وانطلاقا مما دونه بيير جانسين من ملاحظات، أكد عالم الفيزياء الفلكية الإنجليزي السير نورمان لوكير (Norman Lockyer) وجود هذا الخط الأصفر، والذي قدر طول موجته بنحو 587.49 نانومتر، بالطيف الشمسي. عقب ذلك، أعلن الأخير أن هذا الخط الأصفر صادر عن عنصر كيميائي جديد موجود على الشمس وغير معروف على الأرض. وبعد جملة من الأبحاث، قرر السير نورمان لوكير برفقة زميله عالم الكيمياء الإنجليزي إدوارد فرانكلاند تسمية هذا العنصر الجديد المكتشف بالشمس "هيليوم" نسبة لإله الشمس الإغريقي هيليوس (Helios) ليعتبر الهيليوم على إثر ذلك ومن خلال مفارقة غريبة عنصرا كيميائيا اكتشف على الشمس قبل الأرض.
صورة للفلكي الأنجليزي نورمان لوكير
وهكذا وبفضل الكسوف الكلي للشمس سنة 1868 تمكنت البشرية من اكتشاف عنصر الهيليوم. ومع حلول سنة 1881 تمكن عالم الفيزياء الإيطالي لويجي بالمييري (Luigi Palmieri) من استنتاج أول وجود للهيليوم على سطح الأرض عقب تحليله لبعض الجزيئات الناتجة عن ثوران بركان فيزوف في وقت سابق من نفس السنة.
لوحة تجسد الفيزيائي الإيطالي لويجي بالمييري والذي استنتج وجود الهيليوم على كوكب الأرض
أواخر شهر آذار/مارس 1895، تمكن عالم الكيمياء الأسكتلندي وليام رامزي (William Ramsay) من عزل الهيليوم لأول مرة عن طريق معالجة أحد مشتقات اليورانينيت باستخدام عدد من الحوامض الطبيعية، وخلال نفس السنة تمكن العالمان السويديان بير تودور كليفه (Per Teodor Cleve) وزميله نيلز لنغليت (Nils Langlet) من تحديد الوزن الذري للهيليوم بأحد مخابر مدينة أوبسالا (Uppsala) بعد نجاحهما في استخلاص كمية مناسبة من هذا العنصر.
صورة لعالم الكيمياء السويدي بير تودور كليفه
صورة لعالم الكيمياء الأنجليزي وليام رامزي
خلال السنين التالية، واصل البشر أبحاثهم على الهيليوم وبحلول سنة 1907 تمكن الفيزيائيان البريطانيان إرنست رذرفورد (Ernest Rutherford) ومواطنه توماس رويدز (Thomas Royds) من إثبات نظرية احتواء جسيم ألفا (Alpha particles) على نواة ذرة الهيليوم. ومع بداية السنة التالية تمكن عالم الفيزياء الهولندي هايك كامرلينغ أونس (Heike Kamerlingh Onnes) من تحويل غاز الهيليوم إلى سائل عن طريق تبريده معتمدا على درجة حرارة قدرت بدرجة واحدة على مقياس كلفن.
صورة لعالم الفيزياء الهولندي هايك كامرلينغ أونس والذي تمكن من تحويل غاز الهيليوم إلى سائل
صورة لعالم الفيزياء البريطاني إرنست رذرفورد