رابعة العدوية رابعة العدوية البصرية هي بنت إسماعيل ومولاة آل عتيك من بني عدوة، وولدت بالبصرة، ونشأت بين أبوين فقيرين صالحين بالبصرة، وقد جاءت بعد ثلاث بنات ما دفع والدها رابعة، وقد روى والدها أنّه رآى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: (لا تحزن فهذه الوليدة سيدة جليلة)، وقد ذكر أنّه رأى الرزق الوفير بعد ولادتها. مات والد رابعة ثمّ ماتت والدتها دون أن يوفرا لها أسباب العيش الكريم عدا قارب ينقل الناس بدراهم معدودة، وقد خرجت رابعة حتى تعمل مكان أبيها ثمّ تعود بعد عناء تهون عن نفسها بالغناء، حيث اشتهر العراق في ذلك الوقت بالعلم، والأدب، والزهد، وكذلك الدين، واللهو، والترف، والغناء. قصة رابعة العدوية رابعة العدوية والرؤيا الصالحة رأت السيدة رابعة في أحد الأيام في نومها رؤيا تكررت لعدة مرات، وشهدت فيها نوراً ساطعاً يحيط بها فسبحت فيه، وقد سمعت منادٍ يطلب منها أن تترك اللهو، والغناء، وتتفرغ بالتضرع والمناجاة، وكذلك استبدال الألحان بالقرآن، مما دفعها إلى الانقاع عن الغناء، كما أنّها قد استبدلت أشعار اللهو والمجون بأشعار الزهد والصلاح، وفيما بعد أقبلت على عبادة خالقها. بداية طريق الصلاح عند رابعة العدوية نشأت رابعة العدوية نشأةً صالحة مما كان له عظيم الأثر في نفسها، وقد تجلّى ذلك من خلال رؤيتها لوالدها هو زاهد في الحياة، وقد عُرف عنه كثرة التهجد، والعبادة، وطول التفكير، وكذلك التأمل، وقد عُرف عنها أنّها كانت فتاةً ذكية وكذلك منطوية وقليلة الكلام كما أنّها قد تحلت بالصبر على ألم الحرمان خاصةً عندنا سألها أبوها يوماً: (أرأيت إن لم نجد يا رابعة إلا حرامًا؟ فأجابت: نصبر يا أبي في الدنيا على الجوع خير من أن نصبر في الآخرة على النار). تحلت رابعة العدوية منذ الصغر بقلب صادق، وقد بدأت بحفظ القرآن والعبادة والتهجد في هدأة الليل، ويشار إلى أنّ رابعة قد تشردت هي وأخواتها ولم تلتق بواحدة منهن أثناء القحط والجفاف، وقد زاد البلاء عليها عندما أخذها لص وباعها في سوق العبيد، حيث أذاقها التاجر الذي اشتراها سوء العذاب، إلا أنّ ذلك لم يزدها إلا تعلقاً بربها؛ وذلك لأنّ المؤمن الصادق يظل على العهد والمجاهدة مع ربه ولا تتغي معاملته معه حتى لو مرّ في أصعب الظروف، وقد تعرض لها ذئب بشري في أحد الأيام إلا أنها دافعت عن كرامتها وعفتها حتى كسر ذراعها، وحينها ذهبت تسجد لله شكراً لله أن أنجاها من هذه المصيبة، وذات يوم رآها سيدها وسمعها وهي تدعو الله بأن يخصلها من العبودية، كما أنّه رأى حولها نوراً من عمق صلتها بربها، حينها رق قلبه لها وأعتقها، وهنا تحررت لكن جعلت همها هو هم الآخرة.
شعر رابعة العدوية
تمتعت رابعة بموهبة الشعر وتأججت تلك الموهبة بعاطفة قوية ملكت حياتها فخرجت الكلمات منسابة من شفتيها تعبر عما يختلج بها من وجد وعشق لله، وتقدم ذلك الشعر كرسالة لمن حولها ليحبوا ذلك المحبوب العظيم. ومن أشعارها في إحدى قصائدها التي تصف حب الخالق تقول:
عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك
واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى
خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى
وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى
فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــهف
كـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي
ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى
وحــبــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك
وأشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى
وشـوقا لقرب الخطــى من حمـاك
فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى
فمسـري الدمــوع لطــول نـواك
وأمــا اشتيـــاقي لقـــرب الحمـــى
فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك
ولست على الشجو أشكو الهوى
رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا
ومن أشعارها نقتبس ما يلي:
يا سروري ومنيتي وعمـادي
وأنـيـسـي وعـدتـي ومــرادي
.أنت روح الفؤاد أنت رجائـي
أنت لي مؤنس وشوقك زادي
.أنت لولاك يا حياتي وأنســي
مـا تـشـتت في فـسـيـح البـلاد
.كم بدت منةٌ، وكم لك عنــدي
مـن عـطـاء ونـعـمـة وأيـادي
.حبـك الآن بغيتـي ونعـيـمــي
وجـلاء لعيـن قلبــي الصـادي
.إن تكـن راضيـاً عنـي فإننــي
يا منـى القلب قد بـدا إسعـادي.
توفيت رابعة وهي في الثمانين من عمرها سنة 180 هـ