إذا تمكّنا من توقع حركة "التيار النفاث"، وهو عبارة عن نهرٍ متموجٍ من الرياح في الغلاف الجوي العلوي للأرض، يصبح بإمكاننا توقع أحوال الطقس ليس فقط لأسبوعٍ أو أسبوعين، بل لفصلٍ كامل.
فقد أوضحت دراسة من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة أن هذا التوقع يعتمد على ارتباط فيزيائي بين سرعة التيار النفاث وموقعه وقوة الدوامة القطبية، وهي دوامة من الهواء تحوم عادة فوق القطب الشمالي. فالتيار النفاث هو تدفق للهواء من الغرب إلى الشرق، على شكل حزمة سمكها حوالي كيلومتر واحد، وعرضها بين 500-650 كلم، بسرعة تُراوح بين 150-500 كيلومتر في الساعة. وتقول أديتي شيشادري، الباحثة في الجامعة المذكورة: "إن هذا التيار يحدِّد كل شيء، فالعواصف تترافق على طوله، ويتفاعل معها، وإذا تغيّر فإنها تتغير بدورها، خاصة عندما تكون العواصف قوية".
وفي نسق معيّن، تبدأ التغيرات في سرعة الرياح واتجاهها بالقرب من خط الاستواء في طبقة التروبوسفير التي تعلو ما بين 8 و18 كلم فوق الأرض، وهي طبقة الغلاف الجوي العاصفة والرطبة، وتقع أسفل التيار النفاث والأقرب إلى سطح الأرض. وتنتقل تحولات الريح في هذه الحالة برعة من خلال التيار النفاث إلى الدوامة القطبية في طبقة الستراتوسفير التي تعلو ما بين 18 و50 كلم عن سطح الأرض، أي إنها تقع مباشرة فوق طبقة التروبوسفير.
وفي نسق آخر، تؤثر قوة الدوامة القطبية للستراتوسفير على مسار وقوة التيار النفاث، كما تؤثر على كيفية تفاعله مع العواصف في طبقة التروبوسفير. وفي هذا الوضع، ترسل الدوامة القطبية إشارة على طول الطريق نزولاً إلى السطح على شكل ذبذبة عمودية. وعندما تكون الدوامة ضعيفة، فإنها تنتج تياراً نفاثاً ضعيفاً ينزلق نحو خط الاستواء. وعندما تكون قوية، تؤدي إلى تكثيف التيار النفاث وسحبه في اتجاهٍ قطبي. وتضيف شيشادري، "هذه الهياكل العمودية العميقة لم تظهر من قبل، مع أنها أمر أساسي حول النظام نفسه". وقد ساعد تحليلها في تفسير التأثيرات الجوية السطحية لحدث وقع في أوائل عام 2018م، عندما ضعفت الدوامة بدرجة كبيرة إلى درجة أنها انشطرت إلى اثنتين. هذه الظاهرة يعرفها العلماء، كما يعرفون أنها يمكن أن تؤدي إلى انفجار لمدة شهرين من الطقس القاسي في غرب أوروبا. لكن المشكلة هي أن هذه المعرفة كانت تستند، حتى الآن إلى ملاحظات ونماذج إحصائية، بدلاً من معرفة أساس تكوينها لإطلاق توقعات دقيقةً على المدى الطويل.
إن هذه الأنساق العلمية الجديدة، القائمة على علاقة التأرجح في التيار النفاث بالتروبوسفير والستراتوسفير، هي أساسية لإطلاق توقعات دقيقة لأحوال الطقس لبضعة شهور لاحقة.