*وصف للرياض يستحق التأمل*
{للكاتب الكويتي عبدالكريم الشطي}
*الرياض الجديدة*
ما جعلني أقول هذا الكلام أن قارئًا دخل عليّ في معرض الكتاب و ذكّرني بإجابتي على سؤال في محاضرة منذ عشر سنوات:
(ما رأيك في الرياض؟)
قلت وقتها: (مقبلة على تقلب كبير. لا أحب التغيير السريع لو كان مفيداً، أنا أخاف تغيير الأشخاص و أحب أن يظل الأصدقاء القدامى. كما أحب المدن أن تبقى كما هي حين أعود إليها.)
هل هذا التغيير جيد؟ لا أدري. لكنه تغيير سريع، و السريع مخيف.
بعد عشر سنوات صدق تنجيمي، كبرت المدينة و توحشت. تراصت المناكب الاسمنتية. تلاصقت الأجساد و تكاثفت الوجوه.
في زياراتي الأخيرة وجدت أصدقائي في المدن السعودية الأخرى كلهم زحفوا إلى الرياض.
زحفوا بهوادجهم بأثوابهم و أثاثهم و ذرياتهم بحثا عن الماء و الكلأ. وجوه حجازية و أخرى شرقاوية و جازانية و حائلية تحولوا مؤقتا إلى مخلوقات رياضية. ارتطموا بحاجز من الصدمة الاجتماعية.
الحياة قاسية و مزدحمة هنا. التغييرات صعبة عليهم و الرياض صلدة على أرواحهم.
لا يجدون بيت العائلة و لا بيوت الأعمام و لا مجالس الأصدقاء. الحياة أشبه بنيويورك بألفاظ عربية.
بشرٌ كثير و أصدقاء قليل. فعاليات متعددة و وحدة قاتلة. تكاليف الحياة تتصاعد فيتراكض الانسان بحثا عن ريال جديد.
المدينة تتمدد في كل الاتجاهات. قريباً ستكون أكبر مدينة آهلة بالسكان عرفها (الخليج العربي) منذ تكونت شبه الجزيرة العربية.
يتكدس فيها حالياً تسعة ملايين شماغ و عباءة. و الهدف أن يصل العدد إلى أربعة عشر مليونًا.
لا شك أن المشاريع العمرانية و المبادرات الإبداعية لوّنت الرياض بطيف جديد. لكنها تظل مدينة.
مدينة تتراجع فيها (العلاقات التراحمية) و تنمو مكانها (العلاقات التعاقدية) - كما يقول عبدالوهاب المسيري- أي أن البشر هنا لن تحكمهم القبيلة و العادات الاجتماعية بقدر ما تحكمهم المصالح و الريالات و الأنظمة الصارمة.
معدلات الزواج تقل، معدلات الانجاب تتراجع، الطلاق يتزايد، تربية الأبناء تتعقد، الأسر الممتدة تتراجع عن دورها الاجتماعي و القادم أكثر.
لا شك أن الرياض ستهزم تصحر الرمال، لكن تصحر الأرواح سيهزمها.
يا أهل الرياض بلّلوا أرواحكم، اعتصموا بأرحامكم، عانقوا أصدقاءكم، تبلسموا بتسبيحاتكم و قيامكم. لا تدعوا التصحر ينفذ إلى بواطنكم.