الشخصيات المضطربة ( 2 ) ( الشخصية القهريه )

الشخصيات المضطربة ( 2 ) ( الشخصية القهريه )

الشخصية القهرية

العاطفة شقان : الشعور و التعبير

والشعور هو الحالة الوجدانية داخل الانسان كشعوره بالسعادة أو الحزن أو الغضب .. أما التعبير فهو توصيل هذه المشاعر للآخرين ، وصاحب الشخصية القهرية لديه قصور في التعبير عن عواطفه .. قدراته محدودة في نقل أحاسيس الدفء و التعاطف والمودة .. يبدو جامداً قوياً متحفظاً لا يظهر إلا القليل .. وهذا ليس معناه أنه لا يشعر فهو ليس متلبد المشاعر ، وإنما القصور في التعبير و التوصيل .. وكأنها حالة من البخل العاطفي .. وحتى إذا عبر عن مشاعره فهو يعبر بطريقة متحفظة شبه رسمية ومحدودة ومرسومة .. لا يوجد تعمد ولكن هذه قدراته ولهذا لا يشعر الناس بأي دفء يشع منه ، بل يشعرون ببرودة .. وقد يفسر هذا البرود بأنه تعال وترفع ..

ولهذا فهو قليل الأصدقاء ، لا صداقات في العمل ، لا صداقات مع الجيران ، الناس لا تقترب منه ، وهو كذلك يختار أصدقاءه بعناية شديدة ، إذ لا بد من توافر شروط معينه و قاسية حتى يدخل بعض الناس في الدائرة المقربة .
الصفة الثانية المميزة هي الدقة المتناهية في كل شيء .. الدقة التي تبغي الكمال ، ولكن الكمال الذي يبغيه يكون من الصعب الوصول إليه نظراً لاهتمامه بداية بالتفاصيل وكل الأشياء الصغيرة والمحافظة على الشكل المبدئي ولهذا فهو مرهق .. وينهك وهو ما يزال في منتصف الطريق ...
ولذا قد يقتصر الأمر في بعض الأحيان على الاكتفاء باكتمال الشكل دون العناية الكافية بالجوهر أو المضمون ، وهذا يقلقه ويزعجه ويسبب له أرقاً وضيقاً ، إذ هو يبغي كل شيء كاملاً متكاملاً ويبذل أقصى جهده من وقت واهتمام ولا يكل ولا يتعب وله صبر وعنده مثابرة وقدرة على أن يعطي اهتمامه لأقل وأدق التفاصيل ولا ينتقل إلى نقلة جديدة إلا بعد إستيفاء النقطة التي بيديه .. وهو يلتزم إلتزاماً دقيقاً بالقواعد والقوانين والمبادىء والأسس ولا يحيد عنها ، ولهذا فهو جامد وصلب وغير مرن ولا يتنازل ولا يساوم ولا يرضى بالحلول الوسطى ولهذا فالتفاوض معه بالغ الصعوبة ..

وهو لذلك يرفض أن يمشي على هوى الآخرين ويرفض أن يوافق على إجتهاداتهم الشخصية أو اختراعاتهم أو ابداعاتهم ، وإنما هو يعترف فقط بقانون يخضع له الجميع ، بتقاليد وأسس وقواعد معروفة ومعترف بها يلتزم بها الجميع ... وهو ذاته يخضع لها ويلزم نفسه بها قبل أي انسان آخر ، ولذا يجبر الآخرين على الالتزام بها .. ولهذا فهو لا يجامل على شيء ما لا يجد ضرورة ، إذ أن لكل انسان واجباً يجب عليه أن يؤديه وأن يتفانى في أدائه ، وهذا أمر لا يحتاج إلى مديح أو شكر ...

ويعاني ويلات القلق إذا خرج شيء عن مساره .. إذا حدث عدم إلتزام بخطة أو بنظام .. هو نفسه يحاسب نفسه ويؤنبها ويعاقبها ويقهرها قهراً على الالتزام مهما كانت المتاعب المتوقعة .. عنيد مع نفسه .. صلب مع أقرب الناس إليه ...

ولهذا يبدو قاسياً في نظر الناس .. لا يلين ولا يخضع .. الفوضى تقتله ، ولهذا فهو يعاني في المجتمعات الفوضوية التي لا تلتزم بالأصول والنظم .. ولذا فهو دائم الاحتكاك مع الآخرين الذين لا يلتزمون بالقواعد ويكسرون القانون أو يتجاوزون الأصول ..

هو في شجار دائم مع الآخرين ومع نفسه أيضاً يحاسبها ويؤنبها .. ضميره متيقظ وقاس بوخزه .. ويقلقه ويدفعه أحياناً إلى حد الوسوسة ..
والوسوسة هي عدم القدرة على التخلص من التفكير في أمر ما .. هو سيطرة فكرة بعينيها أو موضوع ما على ذهن الانسان ، وعدم القدرة على الانتقال إلى فكرة أخرى .. ولا تهدأ وسوسته إلا إذا عاد كل شيء إلى مكانه الطبيعي ، ولا يتوارى قلقه إلا إذا شعر بسيطرته الكاملة على مجريات الأمور .
ولهذا يتعب الناس معه ، هذا الانسان إبداعاته قليلة نظراً لاهتمامه بالتفصيل والحرص على الشكل ..

مشكلة هذا الانسان أنه لا يستطيع اتخاذ قرار .. فهو متردد يقلب الأمور ويفاضل بين البدائل ويناقش التفاصيل ، ولهذا فهو يتحاشى المواقف التي تتطلب سرعة اتخاذ القرار أو يؤجلها وكل هدفه أن يصل إلى القرار السليم وأن يتفادى أي خطأ ...

وأصعب قرار هو الزواج .. فهو يؤجله باستمرار .. يفكر ويتمنى ويحاول أن يقدم ولكنه يتراجع .. يتأخر به سن الزواج .. ويضع شروطاً صعبة ليس من السهل العثور عليها ..
ويصعب عليه أن يتعرف بانسانة ويقتنع بها ويقدم على الزواج منها .. فهو كلما اقترب على الارتباط منها تداهمه الوساوس ولذا يتردد ويتراجع ..
ولكنه إذا اقتنع ووصل إلى قرار فمن الصعب جداً التراجع عنه لأنه قرار قد وصل إليه بعد دراسة متأنية صعبة وطويلة ولهذا يلتزم به ويدافع عنه ..

والطلاق نادر في حياة أصحاب الشخصية القهرية ، إذ يلتزمون بحياتهم ويحافظون عليها ويتحملون المتاعب ويحاولون الاصلاح .. ولكن إذا وصلوا إلى اقتناع بعدم إمكانية إستمرار الحياة الزوجية ، فلا يستطيع حينها أي أحد ثنيهم عن هذا القرار ..

وصاحب هذه الشخصية لا يخشى في قول الحق لومة لائم .. فهو لا يستطيع أن يسكت عن خطأ أو أمر معوج ، يواجه أي إنسان بأخطائه وعيوبه ، وصراحته قد تكون مزعجة لكثير من الناس الذين يتعاملون معه ، وهي صراحة تكون في كثير من الأحيان جارحة ،فهو لا يجيد إستعمال الكلمات المنمقة والمختارة بعناية ولا يستطيع اللف والدوران ..
ولذا فهو لا يحظى بالترحيب من الآخرين ، وأصدقاؤه الذين يرتاحون إليه محدودون .. وعادة أصدقاءه يحملون نفس خصائص شخصيته ...

تعتبر الحياة مع صاحب هذه الشخصية صعبة ، ولكن من يفهمه يرتاح معه ويطمئن إليه .. فالتعامل معه يدعو إلى الثقة .. وهو ذاته لا يثق في أحد بسهولة وإنما يحتاج إلى وقت طويل حتى يضع ثقته في أحد وكذلك ليس من السهل أن يسحب ثقته بأحد ...

أصحاب الشخصية القهرية أكثر الناس معاناة من القلق والتوتر والصداع النصفي وآلام المعدة والقولون العصبي والمعاناة الشديدة قبل الدورة الشهرية ..

وهم لا يرتاحون ولا يريحون ولكنهم هم الذين يحافظون على النظام والالتزام والأصول والتقاليد الراسخة في حياتنا ..

الفوضوي وغير الملتزم والمستهتر والمنافق والمجامل بشدة واللين والمرن بلا حدود هم الذين لا يرتاحون للتعامل مع الشخصية القهرية وينهزمون أمامها ، فهي لا تتورع عن كشف عورات أي منهم ...

( في بيتنا مريض نفسي ) د. عادل صادق ، الدار العربية للموسوعات ، بيروت / 1990م

شكراً أختي نووور لمرورك الكريم..

شكرا حيااتي وغروووب لمروركم الكريم

» الشخصيات المضطربة (4) ( الشخصية الهستيرية )
» الشخصيات المضطربة ( 3 ) ( الشخصية السيكوباتية )
» الشخصيات المضطربة ( 1 ) ( الشخصية الانطوائية )
» الشخصيات المضطربة (6 ) ( الشخصية الحدية )
» الشخصيات المضطربة (5) ( الشخصية الشبه الفصامية )