خواطر قرآنية من سورة النور

خواطر قرآنية - سورة النور

منازل من نور

سورة النور هي سورة الآداب الجتماعية, سورة تعنى بشؤون الناس داخل بيوتهم, و تعنى بكيفية الحفاظ على المجتمع و بقاءه مناراً بشرع الله تعالى.

ألسنة الفتنة

نزلت سورة النور في مناسبة ما أشاعه المنافقون حول السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك, و اتهامهم إياها بالزنا و هي المبرأة من الله تعالى من فوق سبع سماوات.

و ما جرى في هذه الحادثة: هو أن السيدة عائشة خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم, و لما كان الجيش متوقفاً للراحة, فقدت السيدة عائشة عقدها و فيما كانت تبحث عنه, تحرك الجيش, و لم ينتبه الصحابة الذين حملوا هودجها إلى أن الهودج فارغ و أن السيدة عائشة لم تكن فيه, لصغرها و خفة وزنها, و لما عادت السيدة عائشة وجدت الجيش قد سار, و أصبحت وحيدة في الصحراء. و كان من عادة النبي صلى الله عليه و سلم أن يبقي رجلاً خلف الجيش ليدل من يتأخر من الجيش على الطريق, و كان ذلك الرجل صفوان بن المعطل, فجاء صفوان و وضع السيدة عائشة على الناقة, و لم يتحدث معها و لم يكلمها و لم ينظر إليها إلى ان دخل المدينة, و لما رأى المنافقون ذلك استغلوا هذا الموقف و بدأو بإشاعة الفتنة و إشاعة الفاحشة و الإفك و اتهامهم للسيدة عائشة رضي الله عنها و أرضاها حتى ترضى. و بدأ المجتمع يلوك هذا الكلام الباطل, و وقع بعض المؤمنين في هذا الخطأ, و قال بعضعم: لا يوجد دخان بلا نار (و ستجد لاحقاً أن معظم الدخان بلا نار!!!!!) و اختلف المسلمون, فمنهم من كذب الخبر بالكلية, و منهم كان حائراً و منهم من ظن وقوع الفاحشة. و انقطع الوحي مدة شهر كامل... و كان ذلك اختباراً و درساً للمجتمع الإسلامي بأكمله, و للأمة الإسلامية كلها بعد ذلك على مر العصور.

براءة من الله تعالى

و ظل الوحي محبوساً مدة شهر كامل, حتى يخرج المجتمع ما عنده, و كان اختباراً صعباً, حتى نزلت الآيات من الله تعالى تبرأ السيدة عائشة و تعلن برائتها قرآناً يتلى على مر العصور و الأزمان 11 (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيم)

تعلن الآية بكامل الصراحة و الكل الوضوح براءة السيدة عائشة رضي الله عنها و أرضاها حتى ترضى, و أن ما حصل إفك يفترى لا برهان عليه, و أن كل من ينشر هذا الإفك وعلى رأسهم زعيم المنافقين, عبد الله بن أبي سلول, لهم عذاب عظيم.

لا تحسبوه شراً , بل هو خير لكم

و الآية السابقة تعلق على حادثة الإفك بشكل عجيب 11 (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) فأين الخير في ذلك؟

· المجتممع الإسلامي كله سيتعلم من هذا الحادثة, و نحن كذلك و كل من يقرأ القرآن إلى يوم القيامة سيتعلم من هذه الحادثة.

· و في هذه السورة, سلسلة من الأحكام و الآداب الاجتماعية التي ستكون خيراً للمسلمين في مشارق الأرض و مغاربها إلى أن يرث الله الارض و من عليها.

· السورة نور للمجتمع, تضيء له الطريق و تنظم له بناءه الأساسي, الأسرة, حتى يكون سليماً من القواعد و بذلك يكون مجتمعاً كله خير.

بعد هذا كله, تتساءل أين الخير في ذلك! 11 (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)

ظنوا بأنفسهم خيراً

و أول تعقيب بعد حادثة اللإك كان قوله تعالى 12 (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) و قد نزلت هذه الآية الرائعة في أبي أيوب الأصاري و زوجته, و الذين كانا مثالاً يحتذى به, عندما كذبوا هذه الحادثة و لم يصدقوها, و ظنوا بأنفسهم الخير.

فقد سأل أبو ايوب الأنصاري زوجته: لو كنت مكانها ( أي السيدة عائشة) أكنت فعلت ما قيل؟ فقالت له: لا. فقال عائشة خير منك (يقصد إن كنت أنت لن تفعليها فكيف بالسيدة عائشة و هي خير منك!)

ثم سألته هي: لو كنت مكان صفوان بن المعطل أكنت تفعل ما قيل؟ قال لها: لا. فقالت صفوان خير منك (تقصد أنك إن كنت أنت لن تفعلها فكيف يفعلها صفوان و هو خير منك)

فنزلت آية من الله تعالى, تمتدح فعلهم الرائع و لنتعلم منهم و يكونوا لنا قدوة في مثل هذه المواقف, و لنتعلم كيفية التصرف عند إشاعة الفتن و الكلام في أعراض الناس.

و من لطف الآية أنها قالت (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا) مع أنهم ظنوا الخير بإخوانهم. فكأن المعنى يقول لنا: ظنوا بإخوانكم الخير كما تظنزن بأنفسكم, فأنتم مؤمنون كإخوانكم, و اتركوا المنافقين يظنوا فيكم كما يشاؤون. و كأن الآيات توحي إلينا أن طعنك أيها السلم في أعراض الناس هو طعن في عرضك, و دفاعك عن عرض أخيك و حسن ظنك فيه, هو دفاع عن نفسك. (أظن في الناس كما أظن في نفسي, فكيف إذا كان الناس إخوة لي في دين الله تعالى!).

إياكم و الأعراض

فاحذر أيها المسلم من الخوض في أعراض الناس و خاصة النساء, و احذر الترويج لما يشاع في الجرائد و المجلات (و التي أصبح بعض منها متخصصا في ذلك!) من فضائح و إشاعات, فتسيىء الظن بالناس ظلماً و تقع في كبيرة من الكبائر التي حذرت منها السورة: قذف المحصنات.

فالذين أشاعو الإفك من المنافقين, و الذين قبلوه من المؤمنين لم يأتوا بشهداء أو بينة: 13 (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)

و لكن فضل الله و رحمته سبقت غضبه 14 (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

و تحسبونه هيناً و هو عند الله عظيم

ثم تعود الآيات إلى وصف خطورة الموضوع 15 – 17 (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ – وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ – يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) كل هذه الآيات تعلق على حادثة الإفك, لتكون تعليماً للصحابة و للأمة الإسلامية من بعدهم ألا يخوضوا في أعراض النساء, حتى و لو كان من باب المزاح دون قصد الإيذاء, فالآيات تحذر بشدة من ذلك 15 (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) و تنهى أن يعودوا لمثل ذلك 17 (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)

و بذلك كانت حادثة الإفك تحمل الخير الكثير للمجتمع و الأسرة, و يظهر ذلك عند استعراض آيات السورة:

بداية شديدة لجريمة شديدة

بدأت السورة بداية غير معهودة 1 (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ), فكل السور مفروضة و منزلة من عند الله, فما المميز هنا؟ حوت سورة النور على الكثير من التعليمات التي تهدف لحماية المجتمع و الأسرة, و للتشديد عليها كان لا بد من سياج يوضع حولها لحمايتها, و التشديد على أهمية ما سيرد في هذ السورة من أحكام (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

فماذا كان أول هذه الأحكام؟

2 (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين) و مع أن الأصل في ديننا هو الرحمة و الرأفة, لكن الآية قالت (وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ) و مع أن الإسلام يحثنا على الستر, لأن الله تعالى ستار يحب الستر, لكن في حد الزنا تقول الآية (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِين)

رد شبهة

بعد هذه الآيات, قد يقول قائل و يصف الإسلام بالتشدد و الوحشية في تطبيق الأحكام, و يستنكر حكم الرجم علانية! و لكنه في الحقيقة غفل عما وضعه الإسلام من قيود شديدة قبل الوصول إلى هذا الحكم, و الذي عندما تنتهك كل تلك القيود يصبح الرجم علانية علاجاً للمجتمع, فذلك القائل يحكم على الإسلام دون فهم السورة و أحامها و شروط الرجم, و دون أن يعي روعة الإسلام في حل مشاكل المجتمع و النهوض به مهما كان حاله.

وسائل الوقاية

وضعت السورة ضمانات قوية لعدم وقوع الزنا, و هي بمثابة السياج الذي يحمي المسلم و المجتمع من الوقوع في الفاحشة, و تحافظ على المجتمع و نقاوته و عفته.

فكانت بحق آداباً تنور المجتمع و تضييء سماءه:

1. الاستئذان: فلا يدخل رجل على امرأة و هي وحيدة في بيتها, و خاصة لو كان أخ الزوج او قريبه, و لا يخلو رجل بامرأة تحل له, و لا يدخل الأولاد على أبويهم في أي وقت دون استئذان, و كذلك الخدم 27 – 28 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ – فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِي).
ثم يقول تعالى 58 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) تمثل هذه الآيات قواعد المرور في البيت المسلم, قواعد و أنظمة 58 (مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ) و هي الأوقات التي يتخفف فيها الإنسان من ثيابه لينام أو يستريح أو يرتدي غيرها.
ثم تقول الآيات 59 (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) انظر إلى روعة هذا الدين العظيم الذي يدخل إلى بيتك لينظمه و ينيره لك بما يضمن لك و لأسرتك ثم للمجتمع السعادة و الوقاية من الآفات و الشرور...

2. غض البصر: و للحفاظ على المجتمع مما يؤدي للفاحشة يقول تعالى 30 (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) و الأمر ليس فقط للرجال إنما أيضاً للنساء 31 (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)

3. تزويج الشباب: فلا يقام حد الزنى إذا كان الشباب غير قادرين على الزواج, و لذلك كان من أهم الضمانات التي تقدمها السورة الكريمة – الحث على تزويج الشباب 32 (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) و ذلك سد لطرق الفواحش أمام الشباب الذين لا يستطيعون الزواج لضيق ذات اليد, فالآيات تدعو إلى تزويجهم و التوكل على الله أنه سيغنيهم من فضله. و قد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: ثلاثة حق على الله عونهم و منهم الشاب المقدم على الزواج. و ماذا بعد تعهد الله من عهود؟!

4. منع البغاء: كما شددت الآيات و حذرت أولياء الأمور من دفع بناتهم للبغاء ليربحوا من وراءها 33 (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء)
فالسورة بأحكامها الشديدة تحمي المرأة و تحذر من المتاجرة بجسدها و عرضها لأن في ذلك هضم لحقوقها و إفساد و تمييع للمجتمع بأكمله.

5. الحجاب: و بعد كل ذلك كان لا بد من الأمر بالحجاب, كأحد أهم الوسائل التي تمنع وقوع الشباب العزاب و المتزوجين بالفاحشة لما يرونه أمامهم في الشوراع من مشاهد, فالحجاب من صفة و غض البصر من نجهة أخرى, هما حصانة أكيدة للمجمتع من الفساد و حفاز على عفته و نقاوته, انظر قوله تعالى 31(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) و تكرار عبارة (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) مرتين في آية واحدة تؤكد أن المرأة كلها عورة و زينة, فلا يجوز أن تبدي منها إلا ما ظهر منها و هما الوجه و الكفين كما بين النبي صلى الله عليه و سلم.
و الآيات لم تأمر بالحجاب فقط, بل فصلته تفصيلاً (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) اي لا بد للحجاب أن ينزل تحت فتحة الصدر و الرقبة, و حددت الآيات لمن تكشف المرأة المسلمة زينتها 31 (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء) فكيف بعد هذا التفصيل يأتي من يقول أن الحجاب ليس فرضاً في الإسلام!!!!! و قد فصلته سورة النور و جاء تفصيل في سورة الأحزاب ايضاً!.

6. منع إشاعة الفواحش: منع الإسلام من إشاعة الفاحشة في المجتمع 19 (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) و اسمع قوله تعالى 23 – 24 (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ – يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

لا بد من أربع شهود

و هكذا نرى أن الإسلام أمر بتطبيق كل هذه الضوابط ليضمن خلو المجتمع من كل ما قد يسبب وقوع الفاحشة, و هو بذلك يعالج السبب قبل النتيجة, فإذا كان الزواج ميسراً و الحجاب منتشراً و التزم الناس بغض البصر و اختفت الإعلانات الرذيلة و منع البغاء, و مع هذه كله زنى شخص ما! فهل يكون مستحقاُ للعقاب أم لا؟ ربما ستقول نعم. و لكن الإسلام يقول لا! لأنه لا يكون مستحقاً للحد غلى إن شهد عليه أربعة شهود, ولا يطبق عليه الحد إلى أن يكون الشهود عدولاً موثوقاً بهم أو اعترف هو بنفسه, اسمع قوله تعالى 4 – 5 (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

لهذ استحق العقوبة

و لما طلبت الآيات الشهود الأربعة لإقامة الحد, فقد وضعت شرطاً صعباً أمام تطبيق حد الزنى, و ذلك من رحمة الله تعالى بعباده. فهذا الحد لا ينطبق إلى على من أقدم على الفاحشة أمام أربعة من الناس, أي انه مجاهر بالزنى, و هو بذلك شاذ الفطرة شذوذاً شديداً, فلا بد من عقوبة رادعة له, و هو بذلك لا يستحق رأفة المجتمع و لا بد من القسوة عليه لانه مفسدة للمجتمع. و من هنا نفهم شدة الآيات في بداية السورة (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)

و من روعة الإسلام و عظمته و عدله ان لو كان الشهود ثلاثة, أو أربعة و تراجع أحدهم, فإن هؤلاء الثلاثة هم الذين يجلدون لأن الستر و الحفاظ على أعراض الناس هو الأصل في الإسلام.

الإسلام لا يتعطش لإقامة الحدود

كل ذلك يدل على أن الإسلام ليس متعطشاً لإقامة الحدود, و لنا في أصحاب رسول الله القدوة الحسنة في ذلك, انظر إلى عمر رضي الله عنه لما كان أميراً للمؤمنين, شاهد حادثة زنا – دون أن يكون معه شهود, فرجع إلى المسلمين غاضباً و قال: سمعت بأذني و رأيت بعيني و سأطبق عليهم الحد. فقال له علي بن ابي طالب: يا أمير المؤمنين أمعك شهداء. فقال عمر: لا و لكني أمير المؤمنين و رأيت و سمعت. فقال علي: يا أمير المؤمنين تأتي بأربعة شهداء و إلا إن نطقت باسمها حد في ظهرك!! هل رأيت عظمة دينك, و من بعد هذا الكلام من يستطيع أن يقول أن الإسلام متعطش لإقامة الحدود.

التوبة

و من روعة السورة أنها تفتح باب التوبة بعد كل مقطع يتحدث عن حدود الله.

5 (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

10(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ)

20 (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيم)

31 (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون...)

فالتوبة هي طريق النجاة للحفاظ على المجتمعات التي لم تكتمل فيها الضمانات و وقع بعض شبابها في الفاحشة, و مطلوب من أولئك التوبة و الستر على أنفسهم. و هذه من رحمة الله تعالى بنا.

إلى النور

و يبقى السؤال لماذا سميت سورة النور؟ يجيب اليعض لأن فيها قوله تعالى 35 (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) و هو جواب بديهي, و لكن ما علاقى هذه الآية بالآداب الاجتماعية التي جاءت بها السورة؟ و لمكاذا لم تسم بسورة الآداب الاجتماعية أو غير ذلك؟

لإن العمل بهذه التعاليم و الأحكام يضيء المجتمع و ينيره, فشرع الله و تعالميه هي النور للمجتمع, و إلا فالتخبط في الظلام و الضلال. كما يحدث في الكثير من المجتمعات اليوم.

و بالمثل سورة النور تضيء المنزل الذي يطبق تعاليمها و يستقيم بها, و هناك منازل تفتقد هذا النور لعدم قراءة أهلها سورة النور, النور الذي يحفظ النفوس و ينقيها من الغرائز, و يحفظ الأعراض و يحرسها من ألسنة الناس, و يضيء الطريق إلى الله.

الله نور السموات و الأرض

و مصدر هذا النور هو الله تبارك و تعالى 35 (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) و منه نور شرعه و هدايته.

و ينزل هذا النور 36 (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) على 37 (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) و أما من حاد عن هذا النور 39 (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب) لأنه لم يمش على نور الله تعالى و آثر التخبط في الظلمات 40 (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)

فترك النور الرباني و هذه التعاليم و ترك الحجاب و غض البصر يجعل المجتمعات و الأفراد تتخبط في الضلال و الفواحش.

مقتضيات النور الرباني

35 (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِي)

فالمشكاة هي تجويف في الجدار يوضع فيه المصباح (مصدر النور) لكي لا ينطفىء, و بالمثل فالقلوب هي المشكاة لنور شرع الله, التي تحافظ عليه و تضمن بقاءه متوهجاً في حياة أصحابها.

و لا بد لهذا النور من فتيل حتى يشعله, و هذ االفتيل هو العمل و الإيجابية في حياة المؤمن. فكأن المعنى يقول: أشعل الفتيل بعملك بشرع الله حتى يتوهج نور الله في قلبك.

آيات مبينات

و من لطائف القرآن أنه ركز على استعمال كلمة النور في هذه السورة, و خصائص النور تتلخص في: الهداية – البينة – الكشف.

فالنور يكشف الحقائق و يبينها, و لذلك تكررت لفظة "بينات" و "آيات مبينات" تسع مرات في السورة. كما أن أحكام شرع الله تعالى ترشد المؤمن و تبين له طريق الحق.

كما كانت السورة التي فيها تبرأة السدية عائشة هي سورة النور, الذي يكشف الحقائق و يبينها للناس.

كما أشارت السورة لضرورة توافر أربعة شهداء لإقامة حد الزنى, لكي يكون الأمر مبنياً على بينة, هذه البينة هي الكاشفة و هي النور.

سورة النور, هي المصباح الذي يبث النور في المجتمعات و في القلوب.