الإصلاح التربوي نحو قيادة مدرسية ميّسرة للتغيير
التربويون والتقنيون، كل منهم يحاول رسم صورة مدرسة المستقبل من منظوره الخاص، ومع ذلك، تركزت أغلب جهود الإصلاح التربوي على استثمار معطيات تقنية المعلومات والاتصال(ICT) لإحداث التحول في النموذج التربوي، هذا اتجاه إيجابي ولكنه غير مستغرب، فهو حدث يتكرر مع كل تقنية جديدة. ومع ذلك فالذي يتغير هو التقنية فقط، أما الفكر التربوي فيبقى تقليديًا في طرحه، حيث تحتل التقنية صدارة التخطيط التربوي على حساب المنظور الشامل للتغيير (systemic change)، الذي يعنى بجميع مكونات المشروع التربوي، (الصالح، 2003، 3).
نتناول في هذا المقال مبررات الإصلاح التربوي وملامح النموذج التربوي الجديد، ثم نستعرض بإيجاز واحدًا من مكونات هذا النموذج هو القيادة المدرسية الميسّرة للتغيير.
مبررات الإصلاح التربوي:
يعتقد البعض أن تقنية المعلومات والاتصال هي العامل الرئيس لإحداث التحول المنشود في النموذج التربوي. هذا اعتقاد غير دقيق، حيث توجد عوامل أخرى تتفاعل معًا بدرجات متفاوتة في تشكيل ملامح النموذج الجديد. هذه العوامل هي:
- التحول في تقنية المعلومات والاتصال: أحدثت هذه التقنية تغييرات هائلة في الطريقة التي يعمل ويتعلم بها الناس، وأصبحت أكثر كفاءة وإتاحة، وأنتجت مفاهيم جديدة وكبيرة في فترة زمنية لم تتجاوز عشر سنوات مثل: مجتمع المعرفة والتعلم الافتراضي واقتصاد المعرفة، ورأس المال البشري والحكومة الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية وغيرها.
- التحول في المهارات المطلوبة للألفية الثالثة: يعتقد البعض أن مهارة استخدام التقنية تمثل جوهر المهارات المطلوبة في الألفية الثالثة. هذا اعتقاد تعوزه الدقة، فهذه المهارة هي واحدة فقط من بين مهارات عديدة يسميها البعض(7,8 (Trilling &Hood,1999,p. مهارات البقاء للحياة والعمل في الألفية الثالثة، وهي: الاتصال والحوسبة والعمل في فريق، والتعلم الموجّه ذاتيًا والتفكير الناقد والتفكير الابتكاري، واتخاذ القرار والتعلم مدى الحياة.
- التحول في الفكر التربوي: النموذج التربوي البديل ليس مدرسة إلكترونية فقط، فالتقنية لا تعمل في فراغ، وإنما الركيزة الأساس في هذا النموذج هي فكر تربوي جديد ينطلق من منظور مختلف حول الكيفية التي يتعلم بها الفرد، وباختصار، ما يحدث حاليًا هو التحول من نموذج نقل المعلومات للمتعلم (transmission model)إلى نموذج تحويل المعلومات (transformative model). وهذا يعني أن تحولًا جوهريًا يجب أن يحدث في أدوار المعلم والطالب والتقنية.
- عجز النظام التربوي التقليدي عن الاستجابة لتحديات المرحلة: النظام التربوي التقليدي هو نظام خطي (linear) يلائم العصر الصناعي، فالطلاب يدرسون الشيء نفسه في الوقت نفسه بما يشبه خط التجميع (assembly line) في المصنع. وينتقد البعض (1997 (Branson هذا النظام بكونه استهلك كل طاقته ولم يعد بإمكانه أن يقدم المزيد، ولذا يجب أن يتغير. ويصف بيركن (Perkin,1996) المعرفة في النظام الحالي بأنها هشة(fragile knowledge) لأنها معرفة مفقودة وخاملة(inert) وساذجة ومجزأة ومنفصلة عن الواقع. نتاج هذه المعرفة حافز ضعيف للتعلم وصعوبة نقل التعلم إلى مواقف جديدة.
الإصلاح التربوي ومفهوم الجاهزية للتغيير
الإصلاح التربوي لايحدث فجأة كما لايحدث بالتمني، وإنما له متطلبات ضخمة. إن أحد المفاهيم الجوهرية في التغيير هو مفهوم مستوى الجاهزية للتغيير(for change level of readiness)، حيث يمثل التصميم والتطوير التعليمي(ID)العملية التي ينتج عنها التغيير (تعلم إلكتروني مثلاً)، الذي يحتاج إلى جاهزية هيئة التدريس(FD) بالنسبة للمهارات المطلوبة لاستخدامه والاتجاهات الإيجابية نحوه، وجاهزية المنظمة(OD) بالنسبة لمنظومة قيمها وتقاليدها ونظمها وسياساتها المرتبطة بالتغيير المقصود، إضافة إلى المصادر المادية والقيادة وغيرها. وكثيرًا ما تركز الإصلاحات التربوية على التقنية وإلى حد ما على التدريب، بينما لا يحصل تطوير المنظمة على الانتباه المطلوب، لتبقى المدرسة مكبلة بنظم وإجراءات لا تمكّنها من تنفيذ التغيير المرغوب على الوجه الأمثل.
ملامح النموذج التربوي البديل
يختلف التربويون حول ملامح النموذج التربوي البديل، وكثيرًا ما ينظر لهذا النموذج من مدخل التقنية، في غياب المنظور الشامل للفكر التربوي المعاصر الذي ينبغي أن يوجّه التقنية. إن النموذج البديل ليس مدرسة إلكترونية، وإنما مدرسة ذكية تتصف بكونها واعية (informed) ونشطة ((energetic ومفكرة thoughtful()Perkin,1996,p.3.
وتشير كثير من الأدبيات إلى عدد من ملامح هذه المدرسة وهي: تعليم أصيل ومناهج مدمجة ومعلم ميّسر وطالب مستكشف، وتقنيات للتعلم، وتعلم تعاوني وتعليم أصيل، وجداول مرنة وتعلم تفاعلي، وتقويم بديل وقيادة ميّسرة للتغيير. يتناول هذا المقال أحد هذه الملامح وهو القيادة الميّسرة للتغيير، الذي كثيرًا ما يحوز على انتباه محدود، في وقت تشير فيه أغلب الأدبيات Hord,2004,Morse,2004)) إلى أهميته في نجاح جهود التغيير، وأن أغلب مشاريع التغيير التربوي فشلت في مرحلة التنفيذ(Ely,1999) التي تحتاج إلى قيادة تحرك الناس نحو الهدف وتحول النيات والمقاصد إلى واقع.
نحو قيادة مدرسية ميّسرة للتغيير:
تشير الأدبيات إلى أن القيادي التربوي هو الذي يمتلك عددًا من الخصائص يمكن تنظيمها في فئتين هما: أنواع القيادة وما يسميه البعض بالذكاءات التسعة.
أولًا: أنواع القيادة:
-قيادة برؤية واضحة:
المقدرة على وضع رؤية مقنعة تأخذ الأفراد إلى مكان جديد, ويمكن تحديد أربعة أنواع من الرؤية، هي:
الرؤية المنظماتية (OV): لديها صورة كاملة عن مكونات المدرسة وفهم العلاقات بينها.
الرؤية المستقبلية (FV): لديها صورة شاملة للكيفية التي ستبدو بها المدرسة في فترة محددة في المستقبل.
الرؤية الشخصية ((PV: الطموح الشخصي للقائد بالنسبة للمدرسة, وهي تعمل كمحفز وقوة دافعة لتصرفات القائد لربط الرؤيتين المنظماتية والمستقبلية .
الرؤية الاستراتيجية (SV): ربط الواقع الحالي (الرؤية المنظمانية) باحتمالات المستقبل (الرؤية المستقبلية) بأسلوب فريد (الرؤية الشخصية) ومناسب للمدرسة.
قيادة ثقافية (CL): معرفة ثقافة المدرسة وتقاليدها، وتشكيل ثقافة المدرسة لدعم الممارسات التعاونية وتحييد(أو)التخلص من التقاليد المدرسية التي تعوق تحقيق رؤية الإصلاح التربوي.
- قيادة تربوية (EL): فهم المناهج وفهم أساليب التعليم والتعلم واستخدام المعلومات والتقويم لتحسين النظام التربوي للمدرسة.
- قيادة تأملية(RL): تفعيل عملية تقويم الأداء ومقارنة التطبيقات الماضية والحالية بهدف تحسين الأداء.
- قيادة إنسانية (HL): دعم تقاليد الزمالة وبناء فريق وإيجاد كثافة قيادية وتحديد الفرص والبناء على نقاط القوة وتقدير المصادر البشرية في المدرسة.
- قيادة تحويلية(TL): رفع القادة وتابعيهم بعضهم بعضًا إلى أعلى المستويات المعنوية والحافز، والتماس المثل العليا والقيم الأخلاقية مثل العدالة والمساواة، واتخاذ زمام المبادرة (proactive) بدلًا من أسلوب رد الفعل (reactive).
- قيادة تقنية: ((TL توظيف التقنية في تنفيذ مهام الإدارة المدرسية ونمذجة استخدام التقنية وقيادة الإصلاح التربوي المعتمد على التقنية .
- قيادة رمزية SL)): تشجيع العلاقات العامة والتعريف بأهمية برنامج الإصلاح التربوي للمجتمع المدرسي والمجتمع المحلي.