الفرقةُ الباطنيةِ الفاطمية فرقة يُظهرون الرفضَ ويُبطنون الكفر المحق، يزعُمون أن لنصوصِ الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً، دينهم مختلفٌ عن دين الإسلام بل هو متناقضات، طائفة مخذولة وفرقة مرذولة ومأوى لكل من أراد هدم الإسلام.
وهناك نماذج عبر التاريخ ممن ثبتوا على الحق وصدعوا به ووثقوا بما عند الله، ومن هؤلاء الأعلام الإمام أبو بكر النابلسي.
قال الإمام الذهبي رحمه الله معرفا به: "الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ النَّابُلسِيِّ... وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ كَانَ إِمَاماً فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، صَائِمَ الدَّهْرِ، كَبِيْرَ الصَّوْلَةِ عِنْدَ العَامَّةِ وَالخَاصَّةِ... وَقِيْلَ: قَالَ شريفٌ مِمَّنْ يعَاندُهُ لَمَّا قَدِمَ مِصْرَ: الحَمْدُ للهِ عَلَى سَلاَمَتِكَ، قَالَ: الحَمْدُ للهِ عَلَى سلاَمَةِ دِينِي، وَسلاَمَةِ دُنْيَاكَ"(1).
أتى الإمام النابلسي من الشام إلى مصر أسيراً من قبل الفاطميين، وكان الفاطميون يجبرون علماء المسلمين على لعن أعيان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنابر، وكان الإمام النابلسي رحمه الله ممن يأبى ذلك بل ويرى بوجوب قتال هؤلاء الشيعة العبيديون، فلما وصل إلى مصر، جاء جوهر الصقلي قائد الجند للمعز لدين الله الخليفة الفاطمي بالزاهد أبا بكر النابلسي.
وقد ذكر لنا هذه الحادثة غير واحد من المؤرخين، قال العلامة ابن كثير رحمه الله في ترجمة المعز: "... كان يدعي إنصاف المظلوم من الظالم، ويفتخر بنسبه وأن الله رحم الأمة بهم، وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهرًا وباطنًا، كما قال القاضي الباقلاني: إن مذهبهم الكفر المحض، واعتقادهم الرفض، وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه قبحهم الله وإياه.
وقد أحضر بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبوبكر النابلسي، فقال له المعز بلغني عنك أنك قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت المصريين -أي الفاطميين- بسهم؟
فقال النابلسي: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله، فقال له كيف قلت؟ قال قلت ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر، قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم.
فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في الثاني بالسياط ضربًا شديدًا مبرحًا، ثم أمر بسلخه -وهو حي- وفي اليوم الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات. رحمه الله فكان يقال له الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من نابلس إلى اليوم"(2).
وقال الإمامُ الذهبي في السير: "قَالَ أَبُو ذرٍ الحَافِظُ: "سَجَنَهُ بَنُو عُبَيْدٍ، وَصلَبُوهُ عَلَى السُّنَّةِ، سَمِعْتُ الدَّارَ قُطْنِيَّ يذكُرُهُ، وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ: كَانَ يَقُوْلُ، وَهُوَ يُسْلَخُ: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً﴾ [الإِسرَاء: 58]"(3).
وقال أيضاً: "قَالَ ابْنُ الأَكفَانِيِّ: "تُوُفِّيَ العَبْدُ الصَّالِحُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ بنُ النَّابُلسِيِّ، كَانَ يَرَى قِتَالَ المغَاربَةِ، هَرَبَ مِنَ الرَّملَةِ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَخَذَهُ مُتَوَلِّيهَا أَبُو محمودٍ الكُتَامِيُّ، وَجعَلَهُ فِي قفصِ خشبٍ، وَأَرسَلَهُ إِلَى مِصْرَ، فَلَمَّا وَصلَ قَالُوا: أَنْتَ القَائِلُ، لَوْ أَنَّ مَعِيَ عَشْرَةَ أَسهُمٍ... وَذَكَرَ القِصَّةَ، فسُلِخَ وَحُشِيَ تِبْناً، وَصُلبَ"(4).
وذكر ابن العماد في شذرات الذهب عن سنة ثلاث ستين وثلاث مئة: "وفيها أبو بكر بن النابلسي محمد بن أحمد بن سهل الرملي الشهيد سلخه صاحب مصر المعز، وكان قد قال: لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم سهما ورميت بني عبيد تسعة فبلغ القائد جوهر فلما قرره اعترف وأغلظ لهم فقتلوه، وكان عابداً صالحاً زاهداً قوالاً بالحق"(5).
حكى ابن السعساع المصري، أنه رأى في النوم أبا بكر بن النابلسي بعدما صُلب وهو في أحسن هيئة، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال:
حباني مالكي بدوام عز *** وواعدني بقرب الانتصارِ
و قربني و أدناني إليه *** وقال: انْعَمْ بعيشٍ في جواري(6)
ومن هذا الحدث العظيم الذي حصل للإمام النابلسي، نستفيد الكثير من الدروس والعبر، فمنها:
- الشجاعة في الاحتساب:
من خلال التأمل في قصة الإمام النابلسي نجد أنه لا يخاف في الله لومة لائم، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، فعن عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل»(7).
وقد جاء الشرع المطهر بالتشجيع على الشجاعة في الاحتساب فقال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج:41]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة:122].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «قل الحق، ولو كان مرًّا»(. وقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(9).
(1) سير أعلام النبلاء (16/148 - 150).(2) البداية والنهاية (11/284).(3) سير أعلام النبلاء (16/148).(4) سير أعلام النبلاء (16/149).(5) شذرات الذهب ابن العماد (3/46).(6) سير أعلام النبلاء (16/150).(7) رواه مسلم، (4/1814) برقم (2328).( رواه ابن حبان (2/76) برقم: (361).(9) رواه مسلم(1/69) برقم:(49).الدكتورعبد الله بن عبد الرحمن الوطبانإعداد/هيام عبده مزيدشير اخي المسلم لتبصير المسلمين بعزتهم وتاريخهم المنسي