وكان عداؤهم قد ظهر إلى حد ما بعد غزوة بدر إن كنتم تذكرون : فإنهم أووا أبا سفيان في غزوة " السويق " من أجل أن يحدث حدثا في المدينة ، وقد تُحدث عن غزوة " السويق "
ثم إنهم لم يقتصروا على ذلك فإنهم بمؤامرة ومظاهرة بعد بدر مع المشركين تأمروا معه على قتل النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم لم يظفروا بذلك .
ولم يكتفوا بذلك : بل إن كعب بن الأشرف وهو من رؤسائهم ذهب بعد بدر يؤلب قريشا على النبي صلى الله عليه وسلم .
بل إنه كان شاعرا ويتشبب بشعره نساء المسلمين ، فجرى له ما جرى كما سبق .
الشاهد من ذلك :
أن المصالحة والمعاهدة التي عُقدت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود أيام قدومه إلى المدينة ، كان من بين هذه المصالحة أن يشاركوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون عليه من التكاليف المادية.
فأتى إليهم من أجل أن يستعين بهم في دية هذين الرجلين ، فكمَّنوا له كمينا
فإنه عليه الصلاة والسلام جعلوه يستند إلى جدار ، وتآمروا مع بعضهم أن يقذفوه بصخرة من أعلى الجدار حتى يُجهزوا عليه ، لكن الوحي أتاه وأخبره فانطلق عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وجمع من جمع ممن أصحابه حتى أتى إليهم وحاصرهم حتى أجلاهم :
أجلى الطائفة الكبرى إلى الشام ، وذهبت طائفة أخرى إلى خيبر
فأنزل الله عز وجل سورة تتحدث عن غزوة بني النضير، وهي " سورة الحشر "
وذلك لأن ما صنعته يهود بني النضير إنما هو رجاء أن تمنعهم حصونهم الحصينة ، قال عز وجل : ((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ( يعني الشام ) مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم )) ــــــــ كيف ؟
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلاهم قال : (( احملوا معكم ما تريدون إلا السلاح ))
فكان بعضهم يأتي إلى بيته ، وينقض جداره من أجل أن يأخذ خشبه ، ومن أجل أن يأخذ أبوابه ، فقال عز وجل : ((يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ{2} وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ{3} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))
وفي أثناء الحصار قام بعض الصحابة بحرق بعض نخيلهم من أجل أن يدخلوا الرعب في نفوسهم ، فقال عز وجل
(مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ ( يعني من شجرة كريمة ) أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا ))
لأن اليهود عيرتهم ، قالوا : أنتم مفسدون في الأرض : كيف تحرقون الأشجار ؟
فأنزل الله عز وجل هذه الآية تطمئن الصحابة ، وتسليهم على ما صنعوا :
((مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ))
الغنائم صارت فيئا للنبي صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله سنة كاملة ، وما بقي يجعله عدة في سبيل الله ، فقال عز وجل
(وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{6} مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ))إلى آخر الآية
ثم قام عليه الصلاة والسلام بتقسيم الأراضي على المهاجرين لفقرهم ، ولم يعطِ من الأنصار أحدا إلا اثنين لفقرهما أعطاهما من هذه الأراضي .
فماذا قال عز وجل بعد هذا الحديث عن الفيء ؟
قال
(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ))
ما موقف الأنصار ؟
هل وجدوا في نفوسهم شيئا ؟
أبدا ، لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين ما أعطاهم لم يقع في نفوسهم أي حرج من هذا الفعل .
ولذا أثنى الله عز وجل في سورة الحشر : ((وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))
قبل أن تحدث غزوة " بني النضير " وقف المنافقون موقفا كعادتهم في غزوة أحد ، وفي غزوة بدر.
في هذه الغزوة أتت طائفة من المنافقين ليهود بني النضير وهم في حصونهم على أن يبقوا ، وألا ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيكونون لهم أعوانا.
لكن ماذا قال عز وجل عنهم ؟
((أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{11} لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ ))
إلى آخر ما ذكر عز وجل في هذه الغزوة ، إلى درجة أن الله عز وجل وصف حال يهود بني النضير كحال قريش :
((كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ – في سورة الحشر - كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))
ثم وصف عز وجل حال المنافقين في ادعائهم بنصرة اليهود وهم يهود بني النضير وصف حالهم كحال الشيطان مع الإنسان :
قال عز وجل : ((كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ))
وهذا هو حال المنافقين مع يهود بني النضير فإنهم لم يناصروهم
فانتهت هذه الغزوة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
بعد ذلك حصلت غزوة بدر المسماة بغزوة " بدر الموعد "
هناك غزوة بدر الكبرى ، وقد مرت معنا
فإنه في غزوة أحد كما أسلفت في الجمعة الماضية لما انتهت وغادر أبو سفيان أرض المعركة وعد النبي صلى الله عليه وسلم من العام القادم أن يأتي مرة أخرى في بدر ، فوافقه النبي صلى الله عليه وسلم.
فماذا صنع عليه الصلاة والسلام ؟
كوَّن جيشا من أصحابه في ألف وخمسمائة مقاتل ، بينهم عشرة خيالة واتوا إلى بدر في انتظار أبي سفيان في موعده ، وهي تسمى بغزوة " بدر الموعد "
وقد جمع أبو سفيان ألفين من المقاتلين ، معه خمسون فارسا ، فلما وصل أبو سفيان مرّ الظهران ، وهو مكان يبعد عن مكة بأربعين ميلا عاد ، وأمر الجيش أن يعود بحجة أن هذا العام عام قحط .
فكان رجوعه أحدث صدى في القبائل بضعف قريش وباستعادة هيبة الصحابة رضي الله عنهم بعد غزوة أحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
ثم بعد ذلك تتابعت السرايا التي يرسلها عليه الصلاة والسلام :
ومن بينها :
غزوة " دومة الجندل " :
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بأن هناك من يجمع جموعا لقطع الطرق على الناس ، ومن أجل أن يأتوا إلى المدينة ليستغلوا المدينة ، فأرس النبي صلى الله عليه وسلم ألفا بل كان معهم عليه الصلاة والسلام ، وقبل وصولهما إلى دومة الجندل هرب من هرب فغنم النبي صلى الله عليه وسلم أموالهم .
فلما بلغ الخبرُ دومة الجندل تهاربوا فأتى النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا الموقع ، ولم يجد أحدا .
وفي هذا الموقع أقام أياما عليه الصلاة والسلام ، وبعث السرايا إلى مختلف الأنحاء ، وكانت السرايا لا تأتي إلا بالإبل فقط إلا سرية محمد بن مسلمة رضي الله عنه أتت برجل قد أسرته ، فدُعي للإسلام فأسلم فدخل في الإسلام .
ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان توابا رحيما .