الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد: عباد الله:
قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات، فإذا وجد إنساناً قد نفد رزقه وانقطع أجله ألقى عليه غم الموت؛ فغشيته كرباته وغمراته، فإذا جزع أهله من مصابه وحزنوا على فراقه قال لهم ملك الموت: ويلكم، مِمَّ الفزع وفيم الجزع؟ فما أذهبت لواحد منكم رزقاً ولا قربت له أجلاً، ولا أتيته حتى أمرت، ولا قبضت روحه حتى استأمرت، وإن لي فيكم عودة ثم عودة حتى لا أبقى فيكم أحداً ".
ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم -: " فوالذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم، حتى إذا حمل الميت على سريره أو على نعشه رفرف روحه فوق نعشه وينادي: يا أهلي ويا ولدي! لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي؛ جمعت المال من حله ومن غير حله ثم خلفته لغيري؛ فالهناة له والتبعة عليّ. فاحذروا مثل ما حل بي ".
فيا عبد الله:
تذكر هذه اللحظة الحاسمة فإنها لحظة فضيحة وكرامة يفضح فيها العصاة إذا أنخضلوا، ويكرم فيها المؤمن بالثبات. فالتقوا الله عباد الله وأبكوا على أنفسكم قبل أن يبكى عليكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واحملوا أنفسكم على الطاعات قبل أن تحملوا على الرقاب، واستعدوا للموت قبل أن ننادي بأعلى الصوت رباه ارجعون فلا يستجاب لنا. والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلة الرحم.
ولكن يا عبد الله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوان ويسير في أودية الغفلة؟! متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟! متى يستعد للموت من هجر القرآن، والمساجد، ومن أكل أموال النّاس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا والواط والمحرمات؟! كيف ومتى سيستعد للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ بالحقد والحسد وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟! فلن نستعد إخوة الإيمان ولنتعظ بما نراه في المقابر ونعتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غدًا، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته سيُرجع عنه غدًا، ويُترك وحيدًا فريدًا مرتهنًا بعمله، فإن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.
فيا من قطَعْتَ صلتك بالمساجد، ماذا تقول إذا بلغت الروح الحلقوم؟ ويا مَن أنشأت أولادك على الفساد، وجلبت لهم ما يسيء إلى القيم والاعتقاد، ويا مَن أدمنت الخمور، ويا من تسعى في أذية الناس، ويا من وقعت في الزنا وهتك الحرمات، ويا مَن ظلَمْتَ العباد وسعيت بالفساد، ما هو حالك عند الموت، وماهي خاتمتك، وهل ستوفق للنطق بالشهادتين عند الموت أم سيُحال بينك وبينها كما فعل بغيرك؟! ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ﴾ [سبأ: 54]
فيا أيّها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الأوان ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر يا عبدالله والبدار البدار والتوبة التوبة وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح. فلموت قادم إلينا لا محاله منه ولا مفر، فلنصلح البقية الباقية من أعمارنا في عبادة الله عز وجل، فوالله ما خلقنا إلا لعبادة سبحنه.
فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والأكرام.
اللهم اجعل خير أعمارنا أخرها وخير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أطل أعمارنا وأصلح أعمالنا، اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت وشهادة عند الموت ورحمة بعد الموت يا رب العالمين. اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.
عباد الله:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.