الرياض وبواباتها التسع
لن تستطيع أن تسبر أغوار مدينة لها من العمر زمن طويل،
ما لم تتوغل عميقًا فيها.
تلتقط صورًا توثق الأماكن وخطوط الزمن.
وتتلمس في جدرانها الطينية وأبواب منازلها التي تهالك صمتها صوت الماضي الجميل.
الرياض القديمة خلف بواباتها التسع حكاية تاريخية وعمرانية واجتماعية.
تدعونا اليوم لأن نحيطها بسور وهمي،
بل بهالة من التاريخ وتعاقب الأزمنة بديلاً عن ذلك السور الطيني الذي تمت إزالته أمام التطور العمراني وتوسع الرياض.
البوابات التسعه
من أين نبدأ الحكاية عندما تُغلق الأبواب في وجوهنا؟
وكيف لنا أن نرحل مستكشفين في عمق المكان عندما تكون هناك أسوار وحصون منيعة؟!
تسع بوابات كانت منافذ للدخول إلى العاصمة الرياض..
تُفتح نهارًا للقادم والغريب،
وتُغلق ليلًا على الأمن والسكينة:
بوابة الثميري،
بوابة القري،
بوابة الوسيطى «عويعر»،
بوابة دخنة،
بوابة مصدة،
بوابة الشميسي،
بوابة البديعة (المذبح)،
بوابة آل سويلم،
بوابة الظهيرة.
كان لكل بوابة حكايتها،
وحيُّها وأهلها، حتى حارسها.. أما اليوم فلم يعد هناك سور ولا بوابات تُغلق،
بل أصبحت الرياض مدينة مشرعة طوال الوقت بشوارعها الإسفلتية السريعة الممتدة،
وأحيائها المترامية،
وسكانها الذين تجاوز عددهم 6 ملايين نسمة.
من الحاضر إلى الماضي نذهب بعيدًا،
إنه توغل أشبه ما يكون بترحال في هذه المدينة التي أحبها كل من سكن في عمقها.
الثميري وهج الشمس
البوابة الشرقية هي أولى محطات الولوج إلى العمق،
لا سيما أنها كانت آخر بوابة صمدت أمام التوسع،
وظلت حتى عام 1372هـ، وبعد ذلك تهالكت بفعل التقادم إلى أن أعيد بناؤها وعدد آخر من البوابات ضمن مشروع تطوير منطقة قصر الحكم،
التي قامت به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
من شارع الملك فيصل الذي كان يُعرف بشارع الوزير،
وشهد أول مظاهر التطور الاقتصادي والاجتماعي لأهالي مدينة الرياض،
حيث كانت السلع الفاخرة من أزياء،
وإكسسوارات،
وأحذية مستوردة من أوروبا تباع في محلاته المصطفة على جانبيه، وعلى امتداده جنوبًا تقع يمينًا بوابة الثميري تشي بنمط عمراني قديم له من العمر عقود طويلة.
حين تتعدى هذه البوابة من الداخل ستكون وسط الرياض الأولى.. سيعود بك الزمن إلى أكثر من مئة عام.
يستطيع الزائر أن يدلف من شارع ضيق بجوار البوابة التي أغلق بابها الخشبي بعد أن أزيل السور المحيط،
ولم يتبق إلا جزء يسير منه..
في شارع الثميري تصطف محلات متنوعة تبيع ملابس تقليدية، وسوق الذهب الكبير حيث الجواهر والأحجار الكريمة،
وخلف هذه المحال يوازيها سوق الزل الذي تُباع فيه سجاجيد وتحف شرقية،
كانت من أهم قطع الأثاث في البيوت قديمًا.
بوابة الثميري تُعد دخولاً ملائمًا لسائح يبحث عن هوية المكان، ويحدوه شغف للتسوق.
يتأمل الزائر في تصميم شارع الثميري الجديد بدءًا من الإسفلت،
إلى الإنارة ورصف الطريق..
حتى التكوينات الحجرية الجمالية التي صُفت محاذية الرصيف، وتستخدم مانعًا لدخول السيارات إلى منطقة المصمك والساحات،
بالإضافة إلى أنها تستخدم مكانًا يستريح عليه مرتادو السوق.
شارع الثميري اليوم هو عبق لذلك الماضي الجميل،
فبالإضافة إلى وجود السلع المميزة به، فإنه يُعد، للكثيرين، مساحة للتذكر.
الرياض القديمة
لو انطلقت من الثميري متجهًا صوب الغرب مرورًا بشارع العطايف،
فستقف عند نهايته على حدود الرياض القديمة،
ولو انطلقت من بوابة دخنة مرورًا بجامع الإمام تركي متوجهًا شمالاً إلى أن تصل إلى حلة الظهيرة فستكون بذلك سبرت الرياض القديمة شرقًا وغربًا،
شمالاً وجنوبًا،
بحسب خارطة (فيلبي) للرياض قبل عام 1929.
نحن الآن في عام 2015،
وها قد أصبحت الرياض القديمة وجهة سياحية يزورها المهتمون بالتراث والتاريخ.
هذه الوجهة تستطيع لو أردت أن تقطعها سيرًا على أقدامك، لتكتشف معالمها الأثرية وبيوتها الطينية.
وإذا أردت أن يكون دخولك إليها من خلال الشوارع الممتدة لا البوابات فكل ما عليك فعله أن تتجه لشارع الإمام تركي بن عبدالله،
عبر طريق الملك فهد الذي يعد شريان مدينة الرياض،
ويمتد من الشمال إلى الجنوب.
في حمى الرياض القديمة وعلى شارع الإمام تركي ستجد أسواقًا ومتاحف ومساجد،
وأزقة. وعلى جانبيه امتزج العمران القديم الذي يعود إلى أكثر من 90 عامًا، مع العمران الذي كان حديثًا في زمن ما ويعود لأكثر من نصف قرن.
ويتجلى في صورة ساحرة للمكان ذلك العمران الذي تم ترميمه، أو أعيد بناؤه بنمط تراثي كمنطقة قصر الحكم التي جمعت مبنى إمارة منطقة الرياض وأمانة المنطقة ومسجد الإمام تركي، والساحات، وأسواق المعيقلية، وفندق الديرة، وسوق سويقة.
قصر المصمك
أحد أهم معالم التاريخ الوطني في المملكة العربية السعودية، ومنه تُروى قصة المؤسس للدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود،
حيث دخله عام 1902،
فكان ذلك إيذانًا بفتح الرياض ونصر متواتر.
جدرانه السميكة خير شاهد على اسمه (المسمك) الذي تحول بعد تفخيم الاسم إلى المصمك.
وهو من ضمن مشروع تطوير منطقة قصر الحكم. تم ترميمه بإتقان وحرفيه متناهية وفق المنهج العلمي لترميم المنشآت الطينية. ويحتوي القصر، بالإضافة إلى بوابته الشهيرة،
على مسجد وبئر، وأبراج، وديوانية، وساحات، وأماكن عرض لصور الرياض القديمة.
الساحة الخارجية للمصمك في الليل تتحول إلى بقعة ساحرة، وتتراقص حوله الأضواء التي تبعث من داخل حجارة مرصوفة بجانبه.. ويجلس الزوار حوله وكأنهم يستلهمون التاريخ،
وقوة الإرادة من حكاية تاريخية ترويها جدرانه، وبوابته.
/center]
