معروف الرصافي (و. 1875 - ت. 16 مارس 1945)، هو معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري
معروف الرصافي
معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري
(وُلد الشّاعر معروف الرصافي عام 1875م ببغداد في منطقة تسمى الرّصافة
ومات. 16 مارس 1945)،
، شاعر عراقي من أب كردي ينتسب لعشيرة الجبارة التي تسكن مدينة كركوك، وأم تركمانية من عشائر القره غول والتي يرجع أصولها إلى قبيلة الشاة السوداء التركمانية التي حكمت العراق وقسماً من إيران زمناً ماقبل العثمانيين.
بيئة الشاعر:
تعتبر البيئة العراقيّة الملاذ الأول للرصافيّ، وكان لها الأثر الواضح في شعره الذي عكس الكثير من الأوضاع التي عانى منها المحتاجين واليتامى في وطنه من فقر وحرمان، فكان يبذل قصارى جهده في تصوير ذلك في شعره؛ قاصداً استثارة مشاعر الآخرين، ومعالجة أوضاعهم، إذ كان يدرك أنّ الشاعر إذا تجرّد من إنسانيته أصبح شعره مجرد مهاترات لا فائدة منه، كما عُرِف الرّصافيّ بحساسيته العالية، ومن الأبيات التي عكست ذلك ما قاله في أرملة :-
لَقِيتُها ليتني ما كُنْتُ أَلْقَاهَا
تَمْشِي وقد أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَا
أَثْوَابُـهَا رثة والرجل حافية
والدمع تذرفه في الخد عيناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ من جوع محياها
مات الذي كان يحميها ويسعدها
فالدهر من بعده بالفقر أشقاها
يا بك
الموت أَفْجَعَهَـا والفقر أوجعها
والهم أَنْحَلَهَا والغم أضناها
فمنظر الحزن مشهود بِمَنظَرِها
وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـا
كرّ الجديدين قد أَبْلَى عباءتها
فَانْشَقَّ أَسْفَلُهَا وانشق أعلاها
ومزق الدهر ، ويل الدهر، مئزرها
حتى بَدَا من شقوق الثوب جنباه
تمشي بِأَطْمَارِهَا والبرد يلسعها
كَأَنهُ عقرب شالت زُبَانَاهَـا
حتى غدا جسمها بالبرد مرتجفاً
كَالغُصنِ في الريح وَاصْطَكتْ ثناياها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها
حَمْلاً على الصدر مدعوماً بيمناها
قد قَمَّطَتْهَا بِأَهْدَامٍ ممزقة
في العين مَنْشَرُهَا سمج وَمَطْوَاهَا
مَا أَنْسَ لا أنْسَ أَني كنت أسمعها
تشكو إِلَى ربها أوْصَابَ دنياها
تقول يا رب، لا تترك بلا لبن
هَذِي الرضيعة وارحمني وإياها
ما تصنع الأم في تَرْبِيبِ طفلتها
إِن مسها الضر حتى جف ثديَاها
يا رب ما حيلتي فيها وقد ذبلت
كَزَهْرَةِ الروض فقد الغيث أَظْمَاهَا
مَا بالها وهي طول الليل باكية
والأم ساهرة تبكي لمبكاها
يكاد ينقد قلبي حين أنظرها
تبكي وتفتح لي من جوعها فاها
وَيْلُمِّهَا طفلة باتت مرَوَعة
وبتّ من حوّلها في الليل أرعاها
تبكي لتشكو من دَاءٍ أَلَمَّ بها
ولست أَفْهَمُ منها كُنْهَ شكواها
قَدْ فاتها النطق كَالعَجْمَاءِ، أَرْحَمُهَا
ولست أعلم أَيَّ السقم آذَاهَا
ويح ابنتي إِنَّ ريب الدهر روعها
بالفقر واليتم ، آهَـاً منهما آهَـا
كانت مصيبتها بالفقر واحدة
وموت والدها باليتم ثناها
هذا الذّي في طريقي كنت أسمعه
منها فأثر في نفسيّ وأشجاها
حتى دنوت إليها وهي ماشية
وَأَدْمُعِي أوسعت في الخد مجراها
وقلت : يَا أُخْتُ مهلا إنني رجل
أشارك الناس طُرَّاً في بلاياها
سمعت يَا أُخْتُ شكوى تهمسين بها
في قالة أَوْجَعَتْ قلبي بفحواها
هل تسمح الأخت لِي أني أشاطرها
ما في يدي الآنَ أَستَرْضِي به اللهَ
ثُم اجتذبت لها من جيب ملحفتي
دراهما كنت أَسْتَبْقِي بقاياها
وقلت يَا أُخْتُ أرجو منك تكرمتي
بِأَخْذِهَـا دون ما من تغشاها
فَأَرْسَلَتْ نظرة رَعْشَـاءَ راجفة
ترمي السهام وقلبي مِنْ رَمَايَاهَـا
وَأَخْرَجَتْ زفرات من جوانحها
كَالنَّارِ تصعد من أَعْمَاقِ أَحْشاها
وَأَجْهَشَتْ ثم قالت وهي باكية
وَاهَاً لمثلك من ذي رِقَّةٍ واها
لو عم في الناس حس مثل حسك لي
ما تاه في فلوات الفقر من تاها
أَو كان في الناس إنصاف ومرحمة
لم تشك أَرْمَلَةٌ ضنكاً بدنياها
هذي حكاية حال جِئْتُ أَذْكُرُهَا
وليس يخفى على الأحرار فحواها
أَوْلَى الأَنَامِ بعطف الناس أَرْمَلَـةٌ
وأشرف الناس من بالمال واساها