الجميع يعشق الفائز لكن التفاف جماهير إنجلترا حول فريقها الوطني في كأس العالم لكرة القدم يتجاوز الفخر الرياضي المعتاد، وبالنسبة لبلد منقسم بعد الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن الانقسامات الإقليمية والطبقية القديمة جاء مشوار الفريق الإنجليزي في البطولة بمثابة فترة راحة من الخلافات السياسية والأحقاد.
ولكنها ليست مجرد انفراجة مؤقتة تفسح المجال للحماسة الوطنية التي تعلو فوق خلافات المجتمع، فهناك شيء ما يحيط بهذا الفريق الشاب ومدربه غاريث ساوثغيت، الذي صنع علاقة صادقة لم يتم رؤيتها على مدار جيل كامل.
وتركزت الأضواء بشكل كبير على ساوثغيت نفسه الذي حظى بشعبية عالمية رغم أنه جاء من بلد يحظى فيه قليل من السياسيين بمثل هذه الشعبية.
وقال نيك كوهين كاتب عمود في صحيفة الأوبزرفر لرويترز : ساوثغيت رجل مهذب يتحدث اللغة بالطريقة القديمة. إنه مهذب ومتواضع لكن هناك أمرا حاسما وهو أنه طموح وناجح.
وتحرر ساوثغيت من العبارات التقليدية في مجال التدريب الكروي وبات له تأثير يتجاوز حدود كلماته. ولم يخض الفريق تدريبه الأخير قبل السفر إلى روسيا في استاد ويمبلي لكن في ملعب ليدز يونايتد في يوركشير حيث رغب ساوثغيت صراحة في التفاعل مع الجماهير من خارج العاصمة.
وفي دولة مركزية كبيرة تتركز فيها وسائل الإعلام في لندن ينحدر الفريق الحالي من جميع أنحاء البلاد حيث شهدت التشكيلة الأساسية التي تغلبت 2-0 على السويد وجود سبعة لاعبين من شمال إنجلترا وكان القائد هاري كين فقط الوحيد المولود في العاصمة.
وضم الفريق أيضا العديد من اللاعبين أصحاب الأصول الأفريقية ومن منطقة الكاريبي بينهم رحيم سترلينغ المولود في جامايكا.
وأضاف كوهين: ينحدر اللاعبون من الطبقة العاملة متعددة الأعراق. يشبه هذا الفريق البلد الذي نعيش فيه ويتصرفون بشكل رائع. نحن نفوز بالمباريات بالفعل... وهذا تغيير مرحب به.
وسيطرت هذه النجاحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت حتى وقت قريب مليئة بالمحتوى السياسي والحزبي حول الخروج من الاتحاد الأوروبي لكن الوضع تغير وسيطرت أخبار الفريق وأغنية "الأسود الثلاثة" على المشهد الحالي.
ويبدو على السطح على الأقل الآن، أن كرة القدم نجحت إلى حد ما في مداواة جراح الانقسام الذي تسبب فيه استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وفسر ديفيد جودهارت في كتابه "الطريق إلى مكان ما" الاختلافات بين التجمعات الحضرية التي تحرص على التصويت دوما والناخبين غير الحريصين على الإدلاء بأصواتهم والذين يركزون على الروابط المجتمعة المحلية والقيم التقليدية وهي جماعات وصفها بأنها في كل مكان وفي بعض الأماكن.
وقال: أعتقد أن أي شيء يجعل البلد متحدا مثل الأداء الجيد في كأس العالم أو أولمبياد 2012 يحدث جسرا للهوة وإزالة الخلافات لكن لفترة قصيرة أما مثل هذه النجاحات تكشف ايضا عن الاختلافات. فمن الملاحظ أن عدد الأعلام الإنجليزية في لندن قليل خاصة في وسط العاصمة مقارنة بمعظم أنحاء البلاد.
وصنع فشل إنجلترا في البطولات الماضية خيبة أمل من الفريق لدى الجماهير التي غالبا ما انتقدت اللاعبين واعتبرتهم أصحاب ملايين يفشلون دوما في تحقيق النجاح.
وتضم التشكيلة الحالية العديد من اللاعبين المنتمين لأكبر أندية الدوري الممتاز مثل مانشستر يونايتد وتوتنهام وليفربول والعديد من اللاعبين في القائمة، المؤلفة من 23 لاعبا، سبق لهم اللعب في الدرجات الأدنى من الدوري في بداية مسيرتهم.
ويبدو أن تجربة الجانب الأقل سحرا من اللعبة كانت لها تأثيرها على مواقف ونهج اللاعبين وهو ما يتناقض مع بعض الجوانب الوطنية السابقة.
وقال ميك شالكروس وهو مشجع إنجليزي وكاتب في الشؤون الصحية للرجال: لا يوجد بالتأكيد ما يستحق أن تشير إليه فيما قدمه ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد ووينروني.
وواصل: ينتابك الإحساس بأن ساوثغيت يمثل جزءا من هذا الفريق وذلك عندما تعود بالذاكرة لترى كيفية إعلان إنجلترا عن نفسها كمرشحة قبل أي بطولة لتودع بعدها الحدث دون ترك أي بصمة رغم تشكيلتها المكتظة بهؤلاء النجوم آنذاك ورغم وجود أنظمة تفصيلية يصعب فهمها في كثير من الأحيان، لكن ساوثغيت يعرف هذه الفخاخ وكيفية تجنبها.
وفي حين أن هناك ظروفا عارضة دفعت إنجلترا للوضع الذي وصلت إليه الآن، فإن تولي ساوثغيت المسؤولية جاء بعدما أُجبر سلفه سام الاردايس على الرحيل بسبب تعليقاته عن قواعد انتقالات اللاعبين.
وقلل ساوثغيت سقف التوقعات بشأن الفريق قبل انطلاق البطولة وركز على أن فريقه لا يزال شابا ويفتقر للخبرة وهو ما مهد الطريق للجماهير والرأي العالم للصفح عن التشكيلة والبدء في التفكير في أنه غير مرشح لتحقيق أي نتائج مبهرة خلال البطولة.
واعتمدت الصحافة المحلية، التي انتقدها البعض في الماضي لممارستها الكثير من الضغط على الفريق إضافة لكونها ذات نهج مفرط في الانتقاد، على التعامل بشكل أفضل هذه المرة.
وبالنسبة لساوثغيت تجاوز هذا كونه مجرد حملة علاقات عامة جيدة. وقال: اللاعبون لهم صوت أيضا. يمكنهم التأثير على الشباب الصغير خاصة من المناطق التي انحدروا منها. يمكنهم منح الأمل لهم.