:herb:بين حاجات الدين والدنيا :herb:
كثير من الناس لو تأملت في أدعيته وسؤالاته لربه لوجدتها كلها أو غالبها يدور في فلك الدنيا وحاجاتها من طلب السعة في الرزق والمال والوظيفة والزوجة والصحة وغير ذلك..
وهذه الدنيا مهما امتدت فهي إلى زوال، والدار الآخرة وعطايا الدين العظيمة هي التي ينبغي أن تشرأب لها الأعناق ويسعى لها المرء بجد واجتهاد، ويتضرع إلى الله في طلبها، يقول سبحانه: (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).
تأمّل معي أخي المبارك ..
ماذا لو رزقك الله صلاح القلب وهدايته، فقادك هذا إلى كل خير وبر وفضيلة؟
كيف بك لو منّ الله عليك وفتح عليك بتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه سبحانه ؟
فعشت في جنة لو علم بها الملوك لجالدوك عليها بالسيوف.
ماذا لو أكرمك الله وجعلك من أهل قيام الليل الذين شرّفهم الله بالخلوة به في الثلث الأخير من الليل فكساهم من نوره سبحانه؟
ماذا لو جعلك الله إمامًا من أئمة العلم والهدى الإيمان تبلّغ رسالات الله وتنشر حكمته؟
كيف بك لو جعلك الله مباركًا أينما كنت ومعلمًا للخير ونافعًا للإسلام والمسلمين؟
ماذا لو فتح الله عليك في باب الدعاء والتضرع والمناجاة، فوجدت الدعاء مُيسّرًا عليك، وأصبحت تناجي ملك الملوك سبحانه وتدخله عليه متى شئت وتسأله وتُثني عليه؟
وإذا فُتح لك باب الدعاء فقد أُشرعت أمامك أبواب الخيرات.
كيف بك لو رزقك الله الأمن يوم الفزع الأكبر؟ كيف بك لو أظلّك في ظلّه يوم لا ظل إلا ظلّه؟ كيف بك لو أدخلك الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب؟
كيف بك لو أكرمك الله بمرافقة النبي ﷺ وأبي بكر وعمر في الفردوس الأعلى من الجنة؟ كيف بك لو أصبحت رفيقًا للطبقة البشرية الراقية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا؟
تلك والله هي المطالب العالية التي يسمو إلى مثلها أولو الألباب، وفي أمثالها ترفع ابتهالات أهل التوفيق والسداد!
ويجدر التنبيه أنه لا ضير في أن الإنسان يسأل ربه ما شاء من الدنيا، فقد كان السلف الصالح يسألون الله كل شيء حتى الملح في الطعام، ولكن المقصد مما سبق تصحيح تصوّر في باب الدعاء، وبيان أهمية العطايا الدينية التي بها تصلح دنيا العبد وآخرته، حتى يحرص المسلم عليها.
وكلما قوي اليقين في قلب العبد أصبح صاحبه يرى حقائق الآخرة ماثلة أمامه، وأخذ يُعد العدّة ليوم المعاد ووجدت أثر ذلك في أدعيته وسؤالاته وابتهالاته ..
ولمّا عُظّمت الدنيا في قلوبنا وضعف يقيننا بالآخرة أصبحت حاجات المرء كلها أو أغلبها يدور حول الدنيا ويجري في فلكها..
د. طلال الحسان.